قصة الرجل الحر الذي يعيش في الجبال
تُصنع الأحلام من إشراقات الشمس البرتقالية الحارقة، أمّا تدرّجها نحو اللون الزهريّ والبنفسجيّ فيكون عند غروبها، بالنسبة إلى كثيرين منّا؛ فإنّنا نشعر أننا محظوظون بمجرد قدرتنا على مشاهدة السماء الملونة الأخاذة، أما عبد العزيز "عزيز" النمر، فقد لاحق إشراقات وغروب الشمس في جولاته الأولى مشياً على الأقدام في الجبال الشاهقة، حتى أصبح المشي بعدها جزءاً من نمط حياته متنعماً بمشاهدة العديد من مناظر الشفق من أجمل جبال الأرض، حيث يسلط عزيز الضوء في اليوم العالمي للجبال، الذي يُحتفَل به في 11 من ديسمبر، على الحياة في المرتفعات، وعن نعمة الطبيعة التي تقدمها هذه الجبال.
ترعرع عزيز في الدمام، وما كان بمثابة حياة مَدينيّة نموذجيّة -من تعليم، وشهادة، ووظيفة- ليس أمرًا بعيدًا غير الذي صار إليه عزيز، إلا أن عيشه في أريزونا خلال دراسته الجامعية، أسهمت في ممارسته المشي مع أصدقائه ليشاهدوا الغروب والشروق، وكان لهذه التجربة متعة خاصة لديه تلاحقه أينما ذهب.
أمضى عزيز ساعات في التجوال مشياً، مما دفعه في نهاية المطاف إلى البحث عن تحديات أكبر، حيث كانت جولات المشي التي يخوضها تستمر من ساعات وحتى أيام عطلة نهاية الأسبوع بأكملها، وبجانب مغامراته، فقد تعلم عزيز مهارات وصنع ذكريات وعانى من أوجاع وكدمات، وأُطلق عليه اسم رامن شامان كاسمٍ مستعار تكريماً لكل الرامن الذي أكله خلال مسيره، وعندما تخرج من جامعته وعاد إلى أرض صحراء السعودية، أصبح يتوق للمغامرات الجبليّة.
يُعدّ الحصول على عمل بدوام كامل نعمةً بالنسبة إلى معظم الناس، أما بالنسبة إلى عزيز، فلم يكن ذلك مرضياً. وهو الأمر الذي وصفه بأنّه "إمضاء ساعات كئيبة داخل علبة إسمنتية". فالعمل من الساعة التاسعة إلى الخامسة لم يحرك داخله ذلك الشعور الذي شعر به منذ أن قام بجولات المشي لأول مرة، لذلك قام بحزم أمتعته والتوجه إلى إسكتلندا، وذهب أثناء سفره عبر طريق المرتفعات الغربيّ مشياً لمسافة طويلة عبر مسار يبلغ طوله 154 كم.
ما الذي يعتبر شجاعاً في رحلته مشياً في إسكتلندا؟ لقد كانت رحلته في أوائل أبريل، حيث يعتبر الطقس جميلاً للإسكتلنديين، ولكنه غير مألوف بالنسبة للسعوديين. حيث عَبَرَ ابن الصحراء الغريب الثلج، وقال ضاحكاً: "لا أنصح أحداً بتجربة المشي خلال عاصفة ثلجية"حيث كان البرد لا يحتمل، واضطر عزيز إلى قطع رحلته قبل أوانها، لكن حينما حل يوليو بطقسه الأكثر لطفاً، زار عزيز إسكتلندا مجدداً مواجهاً طريق المرتفعات الغربي. هذه المرة، أكمل عزيز المسار كله خلال 9 أيام. "يمنح إكمال رحلة المشي شعوراً رائعاً، لكنه لا يمكنني القول إن الشعور أثناء المشي كان ممتعاً"، يقول عزيز ذلك ضاحكاً.
بعد ذلك، اشترى عزيز خيمة، حيث دفعه استمتاعه بالبقاء في الهواء الطلق في رحلاته الطويلة إلى تحديه الكبير الجديد؛ وهو التخييم. وبعد أن اشترى الخيمة، أصبحت رحلات المشي خاصته من الماضي، وقد غطى عزيز في مغامراته مناطق جبلية واسعة من جبال نافادا وحتى جبال النابال، وجبال الألب، ودرب قمة المحيط الهادي المشهور، علاوة على رحلة مشي واسعة استغرقت 5 أشهر من المكسيك إلى كندا.
ويبدو أنه كلما مشى عزيز أكثر في الجبال ونام تحت النجوم، أصبح الوقت الذي يمضيه خارجاً أطول، وبالتالي أصبحت عودته لعمله من الساعة التاسعة إلى الخامسة أمراً عادياً، وبعد عمله لثلاث سنوات لتمويل رحلاته، قام بنقلة شجاعة حيث استقال من عمله وانتقل للعيش في المرتفعات.
ولا يمكن التنبؤ في أي جبل بالتحديد يقيم عزيز، حيث يقضي عطل نهاية أسبوعه في مناطق نائية – بينما يتجمع بقيتنا في المقاهي والمجمعات التجارية. "أنتمي إلى هناك"، هكذا يقول عزيز. "إنه المكان الذي يجب أن أكون فيه".
بين الأشجار، وعلى القمم العالية وفي الأماكن المنعزلة، هناك يتواجد عزيز، حيث يسكن في خيمته البرتقالية التي يوجد بجانبها موقد نار متنعماً بالسلام. يقول "أفضل ما في العيش في الجبال هو أنه لا يوجد إنترنت، تشعر وكأنك في المكان الصحيح، حيث تتواصل مع إنسانيتك وروحك الداخلية".
ورغم جمال التواجد مع الطبيعة، إلا أن الخطر الذي تواجهه الجبال والطبيعة حولنا ككلّ هو مؤذٍ بشكل كبير. لقد خاض عزيز المشي حول السعودية وواجه الجيد، والسيئ، يشرح عزيز قائلًا "يمنحك المشي في السعودية تواصلاً نقيًا مع الطبيعة، فالأرض التي لم يمسسها بشر فريدة وجميلة، إلا أنك قد تتوه فيها بسهولة بسبب عدم تواجد أي مسارات أو بسبب كون المسارات الموجودة قديمة جداً، لذلك يجب أن تستلهم إحساسك الداخلي لتشق طريقك أو أن تمتلك دليلاً ليساعدك".
السعودية مشهورة بطقسها الحار الشديد، وكل سكانها المحليون معتادون على الرطوبة وحبات العرق على جبينهم لشهور طويلة، لكن بالنسبة إلى محبي مغامرات المشي، يعتبر عزيز طقس السعودية أكثر لطفاً من مناطق أخرى. "يمكنك أن تقوم برحلات المشي في السعودية من أكتوبر وحتى أبريل بشكل جيد، حيث لا يكون الطقس شديداً حينها، لكن في أوروبا، فليس بإمكانك إلّا يوليو وأغسطس فقط".
يذكر عزيز المناحي السيئة والبشعة في رحلات المشي في السعودية، والتي تتمثّل في الاعتناء ببيئتنا، لذلك يقوم من خلال صفحته بالإنستغرام بنشر التوعية حول الحاجة الملحة لتنظيف أرضنا والمحافظة عليها، حيث يسلط يوم الجبال العالمي الضوء على أهمية الجبال كجزء من بيئتنا، والسعودية هي جزء لا يتجزأ من ذلك.
ففي أحد الصور، يقف عزيز بين أكوام المخلفات التي تحتوي على كراسٍ بلاستيكية، وعلب مياه، وعلب كرتونية وحتى علاقات ملابس، والمتواجدة كلها في غابة السودة، وهي منطقة طبيعية في العسير، فكتب عزيز معلقًا على الصورة "لم تُلتقَط هذه الصورة من مكبّ نفايات". ومتحدثاً عن مهمته تجاه البيئة يقول: "منذ أن بدأت برحلات المشي، أصبحت مولعاً بحماية الطبيعة والحفاظ عليها بقدر ما أستطيع".
أيامنا مليئة بالرفاهيات، نحن مدللون بكثرة الخيارات وباليسر الذي توفره التكنولوجيا، ومن خلال عمله كدليل (بعيداً عن الصخب المادي) مع منظمته الخاصة SIRU Adventure Club، يتذكر عزيز ردات فعل المبتدئين المختلفة بالمشي حين يكونون في الطبيعة. يشعر عزيز أنه في موطنه عندما يكون في الطبيعة، وهي المكان الذي يمكن للبشر أن ينفتحوا ويتعرفوا على قدراتهم الحقيقية "النجاة في الطبيعة هي مهارة أهملناها عبر السنين جراء الاعتياد على الراحة".
وعندما يأتي الأمر للتفاصيل الذهبية التي تختزن العيش في الجبال والمشي في أماكن متنوعة؛ يتفوق عزيز على الاعتقاد السائد عن المشي" يعتقد الناس من خلال مشاهدة الأفلام أن انطلاقك في المسار وتجربة حياة الجبال هي حدث يغير الحياة، ويقولون إن السعي في البرية يغيرك، لكنني ورفاقي الذي كانوا معي في رحلات المشي لا نتفق مع هذه المقولة، فنحن لم نتغير على الطريق، نحن احتجنا أن نتغير كي نسعى وراء هذا الطريق". يعتقد عزيز أن الأمر يتطلب شجاعة وتضحية حتى تقوم بما هو غير مألوف في حياتنا الحديثة المحمية، فالبرية في النهاية هي موطنك.
عزيز هو مثال العفوية والشجاعة، فهو روح متواضعة تجول في أعالي القمم. هو "رجل بلا مأوى، يعيش في الجبال" على حد تعبيره. هو روح مألوفة تهتم ببيئتنا، ويرى أنه بسبب التغير المناخي؛ بات الاهتمام بالأرض أمرًا ملحًا، وأحد الكنوز الطبيعية التي يتوجب علينا المحافظة عليها هي جبالنا الرائعة.
لمعرفة المزيد عن اليوم العالمي للجبال، اضغطوا هنا.
بقلم نورا آل طه