"قلة الكلام حكمة، وقلة الطعام صحة، وقلة النوم عبادة، وفي العزلة راحة."
– الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
نشهد شهر رمضان هذا العام بشكل مختلف عن كلّ رمضان شهدناه، وهذا ما يحصل في العالم الإسلامي بأجمعه. فعلى عكس أجوائه المعتادة، يأتي رمضان هذا العام هادئًا، و قليل النشاطات الاجتماعية بشكل ملحوظ، وقليل الاحتفالات، ويمتاز بالخصوصية بشكل أكبر كونه محصورًا في داخل المنازل وبعدد أفراد العائلة الواحدة والتي تتشارك في الإفطار والسحور كجزء من الحظر الشامل المفروض في مختلف أرجاء العالم لمجابهة ووقف انتشار جائحة فيروس كورونا.
يُشكّل رمضان لهذا العام تحديًا، ولكن إن تفكرنا قليلًا، سندرك بأنها ليست المرة الأولى التي تمت فيها مجابهة تحديات أخرى خلال أيام الصيام المباركة. إذ صادف السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة (٦٢٤ م.) أولى وأعظم المعارك الإسلامية في التاريخ والتي واجه فيها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه، كفار قريش وجهًا لوجه في معركة بدر. وعلى الرغم من قلة عددهم والذي كان يبلغ ٣٠٠ شخص مقابل ١٠٠٠ من الكفار، فإن جيش الرسول انتصر في النهاية، مما أفسح الطريق لانتشار الإسلام منذ حينه. كما إن القرآن يروي لنا كيف تم إمداد جيش المسلمين بآلاف من الملائكة المنزلين غير المرئيين. ومع أن العديد يعلمون عن هذه المعركة وعن أثرها التاريخي، إلّا أن القليل فقط يتذكرون بأنها حدثت خلال شهر رمضان الأول في العهد الإسلامي.
وبالتالي، وفي أثناء محاربتنا لمعركة من نوع مختلف اليوم؛ ضد عدوّ قاتل على الرغم من ضآلة حجمه، علينا أن نواجه هذا التحدي ببعض اللبنات الأساسية التي يرتكز عليها هذا الشهر الفضيل وهي التحلي بالصبر، والمثابرة، والعطف على الذات.
ولعلّ واحدة من الإيجابيات الجليّة لرمضان هذا العام هي حفظ المال من الهدر على ولائم الإفطار والسحور الفاخرة في الخيم الرمضانية. إذ إنه يمكن الآن إعطاء المزيد من المال لمن يحتاجه فعلًا، بالإضافة إلى حفظه بشكل عام لمواجهة المستقبل المشوّش أمامنا بشكل أفضل.
إليكم بعض الأفكار الإبداعية وغير المُكلفة لتجربوها مع أحبائكم، وربما مع جيرانكم ممن انشغلتم عنهم في الفترة الماضية:
-
تنافس الإفطار: مَن سيطبخ الإفطار الأفضل؟
تهيمن مواضيع ما نودّ أن نأكله من أصناف الفطور والسحور على حديث العائلة. وبالتالي، لِم لا يتم تحويل هذا النقاش إلى تحدي طهي بين أفراد العائلة. فليكن الأب والابن مقابل الأم والابنة، على سبيل المثال، أو الآباء مقابل الأبناء على أن يتم اختيار شخص لتحكيم الأطباق مثل الجدّة أو الجار الطموح. مع الأخذ بعين الاعتبار لكي يكون هذا التحدي مثيرًا؛ يجب ألا تُطلب المساعدة من العاملة المنزلية، إذ سيعدّ ذلك بمثابة محاولة غش، لذا يمكن لهذه المرة أن نقوم بقلب الأدوار والطلب من العاملة المنزلية بأن تقيِّم أطباق الفطور والسحور، إذ يُعتبر هذا بمثابة وقت رائع لتقوية أواصر العائلة بطريقة إبداعية في المطبخ عن طريق تجربة وصفات جديدة أو مجرّبة من قبل.
-
تنافس الحكواتي: مَن يحكى القصّة الأفضل؟
يُقال بأن فن الحكاية وُلد في الصحراء بالجلوس حول النيران. حيثما كان الحكواتي البدوي يشارك قصص وحكايات أسطورية وغامضة وبسردية شعرية حول النيران ليفوز بمكافأة أو ليحظى بقليل من التصفيق. وفي بقاع أخرى من العالم العربي، يتم الدفع للحكواتي ليقوم بسرد الحكايات في المقاهي والتجمعات الخاصة. وخلال شهر رمضان، يتنافس الحُكاة على جذب أكبر عدد من المستمعين. لذا ما رأيكم في إعادة إحياء هذا التقليد الشفهي مع أفراد العائلة عن طريق التنافس بحكاية القصص القصيرة لنيل لقب "الحكواتي الأفضل"؟ اختاروا موضوعًا معينًا، مثل القصص المرعبة أو الخرافات أو ربما قصة من الحضارة الإسلامية مثل قصص الرسول أو استعينوا بإحدى الكتب الشعرية القديمة وأطلقوا العنان لمخيلتكم وبلاغتكم.
-
فنّ نابعٌ من القلب: اجعل شخصًا يبتسم كلّ يوم.
هذا هو الوقت المثاليّ لتجربة قدراتك الفنّية في الرسم والعمل الحرفي. ولذلك اصنع قطع فنية برسالة خاصة للجار أو الحارس أو عامل التوصيل؛ أي من الأشخاص الذين نغفل غالبًا عن إعطائهم التقدير الكافي. يمكن أن نقدم لهم رسمًا أو قطعة منحوتة من الصلصال أو منسوجة ما أو قطعة فنيّة ملوّنة بطريقة معبرة وذات معنى ومرفقة برسالة شكر أو تأمل بالخير أو حتى آية قرآنية بخط جميل. ويمكن ترك الهدية عند الباب أو المصعد أو أي مكان يُمكن لشخص آخر أن يراها ويبتسم بسببها. اصنع شيئًا مفاجئًا واكسر الروتين سواء لمن معك في المنزل أو لأولئك الذين تدردش معهم افتراضيًا عبر محادثات الفيديو عبر الإنترنت.
-
خصّص وقتًا للفوازير
*سمِّ شيئًا أخضرًا من السوق، أو شيئًا يكون أحمرًا في كفّ والدتك ولكن يصبح لونه أسود عندما يموت. (ستجد الجواب في نهاية هذه التدوينة). بإمكانك البحث عبر الإنترنت أو مشاهدة برامج تلفزيونية مخصّصة للفوازير اليومية لتدونها حتى تنظم نشاطًا مماثلًا مع العائلة. إذ يمكن التقاط قطع ورقية مكتوب عليها الفوازير من قبعة أو طبق ليتنافس بعدها المتسابقون على حلّ السؤال. كما يمكنك اختيار عدة مواضيع، بعضها ديني والآخر علمي أو خيالي وهكذا.
-
تعلّم لغةً جديدة
هل سئمت من قراءة الترجمة على مسلسلات الأنمي اليابانية المفضلة لديك على شاشة نتفليكس؟ الآن بإمكانك استغلال وتيرة شهر رمضان البطيئة لتتعلّم تلك اللغة الجديدة التي لطالما رغبت بتعلمها. ثم قم بتسجيل أو كتابة رسالة محفّزة بها لتفاجئ العائلة والأصدقاء وزملاء العمل.
إن تعلّم اللغات أمرٌ مسليٌ ويساعد على تحفيز مهارات التفكير والذاكرة. كما ويمكنك عمل بطاقات بريدية افتراضية وكتابة رسائل عليها باستخدام اللغة الجديدة التي اكتسبتها كتذكار لذاك الوقت والمكان.
وبالإضافة إلى تجربة نشاطات جديدة، يعتبر رمضان هو أيضًا وقت خاص للصلاة والتعبّد وشكر الله والمسارعة للإحسان والمزيد من عمل الخير كالمساعدة في تخفيف معاناة الآخرين.
الأبواب والدّور على الأغلب ستبقى مغلقة خلال رمضان لهذا العام، ولكن ثمة أبواب أخرى تُفتح في هذا الشهر الفضيل؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: (إِذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ).
*جواب الفزورة: الحنّاء
بقلم ريم تينا غزال