معرض مرائينا – انعكاسات الروح
تمضي الحياة أمامنا، أو بالأحرى بنا، ونحن مُكْتفون بلعب دور المتفرج على تفاصيلها، هذه التفاصيل التي تمرُّ على مرأى ومسمع منا وقلّ ما توقف أحدنا ليسأل: هل هناك إمكانية لتوثيق هذا المرأى وذاك المسمع، لعل الأجيال القادمة لا تقع في ذات خطيئة الاكتفاء بالفرجة؟ وماذا لو نجحنا في إيقاف عجلة الزمن واحتفظنا بتلك المرائي لتكون شاهدة أمينة علينا؟ والسؤال الأهم: ماذا لو نجحنا في تحويل "مرائينا" إلى "مرايا" تعكس دواخلنا وخبايانا وتضعنا أمام حتمية المواجهة مع النفس، والتصالح معها أخيرًا؟
إن تجربة معرض "مرائينا" التي يقدمها المركز ، لهي تجربة ملهمة بكل المقاييس. لقد نجح هذا المعرض الفني الرائد في تسليط الضوء على هويتنا: ظاهرها وباطنها، مألوفها وغريبها، كما نجح في توظيف التصوير الفوتوغرافي توظيفًا روائيًّا عميقًا، استطاع من خلاله تصوير حكايانا بعين ثالثة، صممت بصورة خاصّة لنرى من خلالها ما غاب عنّا طيلة كل هذا الوقت.
لقد تزينت أروقة معرض "مرائينا" وجدرانها بأعمال نخبة من أكثر الفنانين في العالم نفاذًا إلى جوهر الهوية العربية واستخراجًا لمكامِنها. لم يكن هذا الاقتران إلا نتيجة تلاقح في الرؤى بين فنان وقضية، وبين فكرٍ ورسالة. يمكننا القول بلا مبالغة: إن الزمن قد توقف عند مروره من هنا، واستسلم طوعًا لمبدعين عرفوا كيف يستخلصون إبريزَه ويلخِّصون هويتنا وحكاياها.
ومن بين الأعمال التي ازدانت بها جدران معرض "مرائينا"، لا بدَّ من وقفة تأمل طويلة أمام أعمال الفنانة السعودية تسنيم السلطان، التي بحثت عن استكشاف أغوار الشخصية العربية واستخراج تناقضاتها. وتُعَدُّ تسنيم السلطان من بين الفنانين القلائل الذين تخصصوا في تشريح واقعنا الاجتماعي وتوثيق قضاياه باستخدام الصورة التي يضجُّ صمتها بشتى الدلالات.
ارتكزت تجربة تسنيم الفنية على محور المرأة أساسًا، كما دارت حول محاور وثيقة الارتباط بها، كالحب، والحرية. فكرَّست عدستها لتوثيق قضاياها من مختلف الزوايا، فتارةً كانت مظهرًا من مظاهر الفرح وتارةً كانت الطرف الأضعف إما بموقعِها، أو بنظراتها، أو بحشْرها في زاوية الصورة أمام تمدد كل ما يناقضها. التناقض يظهر حتى في غياب أحد طرفيه، إذ تحمل مظاهر التحرر في بعض الصور انطلاقًا حقيقيًّا أو رمزيًّا، يحيل اللاوعي فينا إلى طرح تساؤلات حول: ماهية القيد الذي يحضر هنا بالغياب؟.
وتحتفي الفنانة بالتفاصيل احتفاء كبيرًا في أعمالها، وتضفي عليها رمزية جوهرية في كثير من الأحيان، كتغيير اتجاهات صورة معبرة عن الهدوء والاستقرار، وقلبها رأسًا على عقب، دلالة على واقع يتلاعب حتى بمن يسالمه، أو كتخصيص مقدمة الصورة لأشياء غير ذات علاقة مباشرة بالموضوع، لتخلق الدهشة عند المتلقي وتجبره على إعادة النظر إلى الصورة من منطلقات أخرى.
كثيرًا ما لعب فن التصوير الفوتوغرافي دور المرايا التي تعكس ما بداخلنا، بعد أن تحدّبه أو تقعّره رؤى المصور وثقافته وخلفياته. ولقد اختار معرض "مرائينا" لنفسه أن يكون مرآة صادقة، ترسم الدهشة في وعينا، وتصنع بيننا وبين إدراكنا المصالحة التي ما انفكَّ يسعى إليها فنانون ومبدعون حملوا رسالتهم في عدساتهم، وفنونهم.