عن إثراء

يرحب إثراء بك في مغامرة جديدة وتجارب جديدة تغذي إبداعك وإلهامك وشغفك بالتعلم.

استكشف عن إثراء

عضوية إثراء

أبحر أنت وعائلتك في رحلة إلى عوالم الفن والثقافة والابتكار والكثير من عوالم المعرفة، واكتشف المكتبة…

استكشف عضوية إثراء


يكتبها: خالد عون


"لا تدعُ العربُ الشعرَ حتى تدَعَ الإبلُ الحنين"
النبي محمد صلى الله عليه وسلم

انتصرَ مجلس الوزراء السعودي للشعرِ وأهله، حينما وافق على تسمية هذا العام بـ (عام الشعر العربي)، وهذه بادرةٌ ليست بغريبةٍ على القيادةِ السعوديّة، فإنّها تحرصُ كلَّ الحرصِ وأشدَّهُ على الوعي الثقافيّ والأدبيّ للمجتمع السعوديّ. ولا ينبغي أن نقلّل من الأثر الذي تحمله هذه التسمية، إذ ما يزال الكثير من الناس يقفون موقفًا متشككًا تجاه رسالة الشعر ودور الشاعر في المجتمع. وعطفًا على ذلك، أودُّ في هذه المقالة أن أُشيرَ إلى تصحيح ما أشكلَ على كثيرٍ من الناس؛ ألا وهي آيةٌ من الذكر الحكيم، وحديث نبويٌّ شريف، يظنّون أنّها تلمز قناة الشعر والشعراء. فأمّا قوله تعالى: "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ[الشعراء:224-226]. فإنّ المقصود بهذا النصّ القرآني شعراءُ المشركين الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وطعنوا في الدين الإسلاميّ، وأمّا من سواهم من المؤمنين فليسوا في شيء من ذلك؛ ألا ترى وتسمع كيف استثناهم الله عز وجل فقال: "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [الشعراء:227]؟ يريد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم الذين يقفون موقفًا يغيظ الكفار، وينتصرون للنبي الكريم، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبدالله بن رواحة، رضي الله عنهم أجمعين، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء النفرُ أشدُّ على قريشٍ من نضح النّبل"، وقال في يوم قريظة لحسان بن ثابت: "اهج المشركين، فإنّ جبريل معك"، حتى أنّه بنى لحسان في المسجد منبرًا يُنشد عليه الشعر. ولا يخفى على الكثير موقف النبي الشهير عندما ألبس كعب بن زهير بردته الشريفة لقاء اعتذاريته ذائعة الصيت "بانت سعاد"، فلو أنّ الشعر حرامٌ أو مكروه ما اتخذ النبيّ شعراء يُثيبهم على الشعر ويسمعه منهم.

أما احتجاج البعض بقوله عليه الصلاة والسلام: "لأن يمتلئ جوفُ أحدكم قيحًا حتى يريَهُ خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا" فالمقصود هنا واضح؛ من غلبَ الشعرُ على قلبه، وشغلَهُ عن إقامة فروضه وواجباته الدينيّة وصرفه عن ذكرِ الله تعالى، أما غير ذلك، فإنّ جمعًا غفيرًا من الصحابة - وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة - كانوا ينشدون الشعر ولا يستريبون منه، ونأخذ طرفًا في هذا الباب ليستبين المقصود إن شاء الله.

يُروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله في غزوة عبيدة بن الحارث:
أمن طيفِ سلمى بالبِطاحِ الدمائثِ
أرِقتَ، وأمرٍ في العشيرةِ حادثِ؟
ترى من لؤيٍّ فرقةً لا يَصدُّها
عن الكفرِ تذكيرٌ ولا بَعثُ باعثِ
إلى آخر القصيدة..

كذلك يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب، والذي كان من أبصر الناس بالشعر ونقده واستقرائه، وما خبره مع زهير وإعجابه عنا ببعيد، قوله - ويروى كذلك للأعور الشّني-:
وهوّن عليكَ فإنَ الأمورَ
بكفِّ الإلهِ مقاديرُها
فليسَ بآتيكَ منهيُّها
ولا قاصرٍ عنكَ مأمورها

وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما كثيرةَ الروايةِ للشعر، ويُقال إنّها كانت تروي جميع شعر لبيد، وهو القائل:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ
وكلّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
وهذا البيت الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "أصدقُ كلمةٍ قالها الشاعر كلمةُ لبيد"!

ويُروى عن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قوله:
يجب على الرجل تأديبُ ولده، والشعرُ أعلى مراتب الأدب، فلقد رأيتني ليلةَ الهريرِ بصفّين وقد أُتيتُ بفرسٍ مُحَجّلٍ بعيدِ البطنِ من الأرض، وأنا أريد الهرب لشدّةِ البلوى، فما حملني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة:
أبت لي همّتي وأبى بلائي
وأخذي الحمدَ بالثمنِ الربيحِ
وإقحامي على المكروهِ نفسي
وضربي هامةَ البطلِ المُشيحِ
وقولي كلّما جَشَأت وجاشت
مكانكِ تُحمدي أو تستريحي
لأدفعَ عن مآثرَ صالحاتٍ
وأحمي بعدُ عن عِرضٍ صحيحِ

وابن عبّاس -حبر الأمة العظيم- يقول: 
"إذا قرأتم شيئًا من كتابِ الله فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب، فإنّ الشعر ديوانُ العرب". وقد فعل ذلك حقًّا في المسائل الشهيرة لنافع بن الأزرق.

وقد قيلَ لسعيدِ بن المسيّب -أحد فقهاء المدينة السبعة-: إنّ قومًا بالعراق يكرهون الشعر، فقال: نسكوا نسْكًا أعجميًّا.

والأدلة والشواهد يعضُدُ بعضها بعضًا، ومتواترةٌ حدّ الإجماع على استحسان الشعر وقوله والاستشهاد به.

نختُم بهذه القصة الجميلة التي يرويها الأديب والرحّالة اللبناني المعروف أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب)، حيث يقول:
قرأتُ مرةً في حضرةِ السلطان عبدالعزيز آل سعود ما كُتبَ فوق بابه - وهي أبيات للشاعر الأمويّ المتوكّل الليثي-:
لسنا وإِن أحسابُنا كَرُمَت
ممّن على الأحسابِ يتَّكِلُ
نبني كما كانت أوائلُنا
تبني ونفعلُ مثلَ ما فعلوا
فقاطعه المؤسس الكبير والسلطان المعروف قائلاً:
نحنُ نبني يا حضرةَ الأستاذ كما كانت تبني أوائلنا، ولكننا نفعل فوق ما فعلوا.

فانظر إلى أهميّة الشعر لدى مؤسّس هذه البلاد، وإلى نقدهِ وبصيرته به. وتمضي سلالته المُباركة على إثره، في رفع شأن الشعر ودعم أثره البناء على الفرد والمجتمع، ولن يدعوه حتى تدعَ الإبلُ الحنين.

المدونات المتعلقة

For better web experience, please use the website in portrait mode