العادات الرمضانية.. وبهجة العيد
في رمضان تختلف العادات علينا وكذلك نحن نختلف، حيث تأتي العادات الرمضانية لتلقي بهجتها على حياتنا اليومية، ولتُضفي نهكةً خاصةً وقيمةً جماليةً فنية ، ومن هذه العادات ماهو حديثٌ أتى مع تطور الزمن فيما منها ماهو موغل في القِدَم، وفي هذه التدوينة نستعرض بعضًا من هذه العادات بعددٍ من مختلف البلدان.
يبدأ رمضان أولًا برؤية هلاله، وفي مصر تحديدًا هناك ما يُسمى بـ"دكة القضاة" وتقع هذه الدكة فوق جبل المقطم، لكى يستطيع القضاة رؤية الهلال بوضوح، ويستقر على المقطم كذلك مسجد بدر الجمالي، الذي تستخدم مئذنته كمرصدٍ لرؤية هلال رمضان، فيما في الماضي وبحسب المستشرق البريطاني إدوارد لين ، الذي زار مصر أكثر من مرة، أبرزها زيارة 1833م، حيث كتب على مدى عامين كتاب عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، الذي يضم انطباعاته حول مصر أنه يتم تخصيص موكب لرؤية هلال رمضان له طابعٌ احتفالي وقد كتب في هذا الشأن: "ينطلق المُحتسب وشيوخ بعض التجارات المختلفة: الخبّازون، والطحّانون، والجزّارون، وبائعو اللحم، والزّياتون والخضرجيون، ولفيف من أعضاء هذه التجارات، وفرق المزيكاتيين، والفقراء ويرأسهم الجنود في هذه الليلة في موكب يبدأ من القلعة وينتهي عند محكمة القاضي، وهناك ينتظرون عودة أحد الذين ذهبوا لتحري الرؤية، أو شهادة مسلم آخر رأى القمر هلالاً، ويحتشد الناس في الشوارع وهم يهتفون عند مرور الموكب: "بركة، بركة.. بارك الله عليك يا رسول الله"، ليحين بعدها وقت حسم الرؤية حيث يُدون "لين": "بعد أن يصل الخبر اليقين لرؤية الهلال إلى محكمة القاضي، ينقسم الجنود والمحتشدون فرقاً عديدة، ويعود فريق منهم إلى القلعة، بينما تطوف الفرق الأخرى في أحياء مختلفة في المدينة ويهتفون: يا أتباع أفضل خلق الله صوموا.. صوموا".
وما إن يتم إعلان غرة الشهر الكريم، حتى تبدأ البيوت تزدان بزينة رمضان الخاصة، التي لا تكتمل دون وجود الفوانيس، وقد يطرأ علينا تساؤل هنا لماذا الفوانيس تحديدًا؟، ويُروى في ذلك أن المعز لدين الله الفاطمي دخل القاهرة ليلًا في رمضان بعام 358هـ، فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس، ثم درجت العادة أن تضاء الشوارع بالفوانيس تسهيلاً لتحرك الناس والنشاط التجاري في الأسواق الذي كان يمتد خلال شهر رمضان إلى وقتٍ متأخر، وبقيت الفوانيس تضيء الشوارع بين الغروب والفجر أيام الشهر الفضيل, حتى ظهرت الكهرباء وبدأ بالاعتماد عليها في الإضاءة الكهربائية، ليغدو الفانوس من وسيلةٍ إلى رمزٍ ينتشر في كل مكان، حيث يُبدل بعض أصحاب المقاهي الإضاءة الحديثة إلى فوانيس بشهر رمضان وكذلك الأماكن العامة لإضفاء رونقاً وجماليةً على المكان.
أما في المملكة العربية السعودية فمن أبرز مظاهر رمضان، هي موائد الإفطار الموجودة في الأحياء التي تكثر فيها العمالة الأجنبية أو في الخيام التابعة للمساجد أو حتى في المسجد الحرام، إضافةً إلى ما يُعرف بـ"فكوك الريق" وهو تناول الماء والتمر عند آذان صلاة المغرب وما أن تُرفع الإقامة حتى تُصلى الصلاة ليبدأ بعدها الإفطار وتناول الأطباق الرئيسية، وما يميز الشهر كذلك "الغبقات الرمضانية" وهي ولائم السحور التي يجتمع فيها الأهل والأصدقاء، أما حين ينتصف الشهر الكريم يتجهز الجميعًا وخصوصًا الأطفال للقرقيعان، حيث المكسرات والحلويات وبهجة اجتماعات الأطفال والأهازيج بانتظارهم، وكذلك الجيران لهم نصيبٌ من عادات رمضان فيتم إرسال بعض الأطباق لهم للاستمتاع بمذاقها وهو ما يُعرف بـ"النقصة" .
ومن أبرزا العادات الرمضانية في كازخستان تزاور الناس بين بعضهم البعض وصلة الرحم، حيث يحرص الكازخستانيون على زيارة من لديه معه قطيعة لطلب السماح قبل دخول رمضان، فيما من يقطن بعيدًا في المدن الكبرى يحرص إلى الرجوع إلى القرى لزيارة العائلة وذويه، ومن بعد إنتهاء صلاة التراويح يخرج الأطفال يوميًا من المساجد وهم يطرقون الأبواب وينشدون الأناشيد ذات الأدعية والمدح على أصحاب البيوت ،حيث يعطوهم أصحابها المال والحلوى، مما فيه تشابه مع القرقيعان ولكن هنا بشكلٍ يومي، وكذلك تنتشر لديهم موائد الإفطار في المساجد بشكلِ كبير.
أما في إندونيسيا تتنوع مظاهر استقبال الشهر الكريم، وتبدأ منذ نهاية شهر شعبان، حيث يبدأ أصحاب البيوت بتزيين بيوتهم بالزخارف، كما يذهبون لسوق شعبان، الذي يُسمى "دورديران" أو "داندانجان"، وهو سوق كبير يوجد في ميدان واسع أو في حديقة لتبضع الإندونيسيين ما يحتاجون إليه خلال الشهر الكريم، وما أن يتم إعلان دخول الشهر الكريم حتى يبدأ الأفراد بقرع الطبول الإندونيسية "البدوق" كنوعٍ من الاحتفال بغرة الشهر.
ومهما اختلفت المظاهر الثقافية للاحتفاء بالشهر الكريم إلا أنه ما أن يُعلن عن تحديدِ يوم عيد الفطر حتى يبدأ سكان البلدان جميعًا باختلاف عاداتهم وثقافاتهم بالاستعدادِ له عبر لبسِ الملابس الجديدة،ونقش الحناء للبنات وصرف النقود لإعطائها للصغار وتزيين البيوت للعيد وكذلك إعداد فطور العيد والحلوى الخاصة به ، ففي فلسطين تُعد الغريبة المحشوة إما بالجوز أو اللوز للاحتفاء بالعيد، فيما في سوريا ولبنان يُعد بسكويت العيد محشوٌ بالتمر أو الجوز وهو نفس البسكويت المعروف في العراق باسم الكليجة، و في مصر تُعرف باسم الكحك المصنوع من الدقيق والسكر، والمحشو غالبًا بالجوز أو بلا شيءٍ على الإطلاق، فيما على الجانب الآخر من العالم يحظى مزج الحليب بالهيل والزعفران بشعبية كبيرة في كلٍ من الهند وباكستان وبنجلاديش والذي يُعرف باسم "سيڤايا"، وربما تغيرت الحياة بسبب جائحة كورونا إلا أن روحانية رمضان وبهجة العيد ستظل دائمًا موجودة مهما اختلفت الظروف، فعيد إثراء على سبيل المثال سيكون مليئًا بالتميز والفرادة لهذا العام ، حيث سيأتي إلى منازلنا ليحتفي معنا بالعيد، عبر مسيرة العيد المتنقلة التي ستجوب شوارع المنطقة للاستمتاع بها ونحن ننعم براحة بيوتنا، إضافةً إلى أعذب الأنغام الكلاسيكية التي ستُبث بحفل روائع أسمهان وأم كلثوم عبر التلفزيون أو منصة اليوتيوب.
-بقلم نورة البراك