أبواب المركز مغلقة حتى الساعة 04:00 م
لماذا عليك حضور فعاليات السينما والفن؟
بقلم: ريم الرتوعي
ترتبط كثير من الأحداث العالمية الشهيرة بتصنيفات محددة، ومن تلك التصنيفات نوعية الجمهور الموجه، فكثيرًا ما يُظن أن الفعاليات الرياضية هي لعشاق الرياضة ومحبيها وحدهم، وأن الفعاليات الاجتماعية هي لمحبي خدمة المجتمع فقط، الأمر أيضًا مع الفعاليات الثقافية أو الإعلامية أو العلمية وغيرها. ما يخلف خسارة حتمية لكثيرين، تاركين وراءهم فرصة حضور حدث عالمي مدهش كان بالإمكان أن يُلهمهم ويخلق لهم تجربة استثنائية تصب في تجربتهم الحياتية المكثفة.
وما أنا بصدد الحديث عنه في هذا السياق، هي مهرجانات السينما والفنون، والتي كثيرًا ما يُخطئ الناس في تلقيها وفهمها، ظانين أنها للممثلين أو للمشاهير أو للشخصيات الاعتبارية فقط. الأمر الذي يجدد إثراء نقضه في كل مرة، بدعوة مفتوحة يمنحها للجميع، كما في "مهرجان أفلام السعودية" خلال أيامه الثمانية!
تمتد هذه الأيام ما بين ورش عمل ودورات وسوق إنتاج وندوات ومساحات مفتوحة للنقاش والحديث والتحليل والتعاون.
يحقق المهرجان في كل سنة علامة فارقة، حيث يُفتح على مصراعيه للترحيب بصناع السينما، جنبًا إلى جنب الزوار العاديين الراغبين بمشاهدة فيلم ما، أو حضور ندوة معينة، أو التعرف على السوق السعودي عن قرب، لفهم أبعاد وحيثيات الاقتصاد الإبداعي المنوط بالعرض والطلب. ليختلط بذلك الزائر، مع فنان بشعبية كبيرة، أو مخرج صاحب صيتٍ عالٍ، أو ناقد يحمل اسمًا لامعًا.
فتذوب الاختلافات والفروقات، ولا تعود الفجوة بين المشاهد والصانع كبيرة، حتى أن النقد والتعليقات تصبح أسرع وأكثر مباشرة، فتصلهم وجهًا لوجه، لامسين الآراء بأسلوب أكثر عفوية وقربًا من أي وقتٍ مضى.
ففي تجربتي مع "مهرجان أفلام السعودية" كانت لي فرصة لقاء نقاد وفنانين، ومن ذلك الناقد المصري أ. طارق الشناوي، الذي يضفي على الأفلام تفسيرُا وتحليلًا، فبحضوره اقترب من المشهد السينمائي السعودي، إذ كان وجوده كالعين الفاحصة والمحللة، ما يجعلنا ندرك كيف لهذه الأحداث أن تجمع الناقد والفنان بأي شخص، مهما كانت خلفيته، تحت مظلة الفضول والشغف وحب الفن.
أما بشأن التجارب، فكانت لي فرصة مشاهدة الكثير من الأفلام، والتعرف على كثيرٍ من الصنّاع، فما إن ينتهي العرض حتى يفتح أصحاب المشروع قلوبهم لسماع الآراء والأفكار ويشرحوا معانيهم، فتصبح المساحة والفروقات أصغر، والعلاقة بين الفنان والمشاهد أضيق.
وحين تواجدت لحضور ورشة عمل أو دورة أو ندوة أو جلسة حوارية، وعيت لكم الأسماء عن اليمين وعن الشمال، فهم أبطال لطالما شاهدتهم خلف الشاشات! ما منحني فرصة اقتربت خلالها من طبيعة عملهم وتحدياتهم ومخاوفهم، المتجاوزة للتخصص، فهي أفكار وتحديات ومخاوف إنسانية بالدرجة الأولى، تصب في تجربة كل فرد، وتمنح الجميع دروسًا وأفكارًا.
لا يتوقف المهرجان عند الفنانين والممثلين والمشاهير وحدهم، ولا يحصر نفسه أمام وجوه عن دونها، فهو يمنح الزائر فرصة التعرف على العاملين خلف الكواليس أيضًا مثل؛ المحررين، والمخرجين، ومهندسي الضوء والصوت، وفناني المكياج، ومصممي الديكور والإكسسوار.
فتخيل كم التجارب المروية عن كل فرد منهم، وكم الأفكار والخبرات التي قد ندركها من خلال اقترابنا من كل هؤلاء!
مساحة جامعة
تستوعب هذه المهرجانات جميع الأصناف والمستويات الثقافية، فحتى لو كنت من غير العاملين في مجال السينما والفنون، ستحظى بفكرة كاملة عن مجال السينما.
تخيل مهرجانًا فنيًا كاملًا يقام أمامك، سترى الجماهير والمحبين والحشود، وستقترب من الفنانين والمعجبين، ستلمس مشاعرهم وأفكارهم، وسترى صفوف الصحافة والتلفزيون، وستعيش تجربة حسية متكاملة، بالصوت والضوء والشعور. ستشاهد التقنيات وأركان الإنتاج والكتب السينمائية والثقافية المرصوصة، وستستمع لجلسة عفوية من الشباب حول آخر أعمالهم ومحاولاتهم، ما يصنع من هذه التجربة، إلهامًا وجرعة مكثفة تخلق لديك شعورًا تنافسيًا محمودًا، لصنع عمل فني أو إبداعي ما، مهما كان شكله أو هدفه.
تحمل مثل هذه المهرجانات فرصًا ذهبية، تتعدى العاملين في القطاع السينمائي وحده، لتمتد لتلامس الجميع، فالسينما هي الحياة، ومجالاتها المختلفة تتقاطع مع كثير من الشؤون العامة.
لقد جاءت السينما والفنون لخدمة المجتمع بأكمله، فهذه موهبة تُصقل هنا، وهذه هواية تُرسم ملامحها هناك، وهذه مهارة تتطور وتغدو أكثر احترافية، وهذه تعاونات تتشكل، وصداقات وزمالات تترسخ، لتصنع من الحدث مساحة واسعة تتخطى الأيام المعدودة.
مدارك تتوسع
وفي سياق الحديث عن الفعاليات والمهرجانات الفنية، يقيم إثراء أحداثًا شتى لخدمة الفنون السبعة جميعها، ومن ذلك أيضًا "مسابقة إثراء للمسرحيات القصيرة" التي تمد للمواهب الشابة يدها بكل حب وانفتاح، فيجتمع الكاتب، مع المخرج، مع المحرر في غرفة واحدة، لتتشكل الرؤى وتُصنع الأفكار، وتغدو المستحيلات ممكنة، والخيالات واقعًا موجودًا على الخشبة.
وما يعزز المشهد أكثر، هي فرصتنا نحن جميعًا لحضور مثل هذا الحدث السنوي، الذي قد يعرفنا على نجم سعودي قادم في عالم الدراما والسينما. فمن هذه الأحداث يُصنع النجوم، وينطلقون في مشوارهم الطويل. ومن هذه الأحداث أيضًا، تتشكل المعارف وتتعمق الأفكار وتتغذى المدارك.
حيث تُقدِم المسابقة فرصة لعرض أهم كلاسيكيات المسرح على خشبتها، كـ"هاملت" و"عطيل" لشكسبير، أو "البخيل" لموليير، ما ينمّي الذائقة، ويفتح الأفق، ويترك الأثر في النفس والشعور والمخيلة.
الفن كمدرسة مستمرة
على صعيدٍ آخر، يباشر إثراء التحضير لنسخة جديدة من "تنوين" الذي نكتشف من خلاله حلولًا تصميمية وفنية خارج الصندوق.
يختتم "تنوين" موسمه، بحدث كبير، داعيًا متحدثين وفنانين وباحثين وأسماء بارزة لنقل خبراتهم التصميمية، ومشاركة ما في جعبتهم لتحسين العالم وجعله مكانًا أفضل، ما ينعكس على كل جوانب حياتنا المكثفة بالتجارب والفرص.
فلا يستدعي الأمر أن تكون مصممًا أو حتى فنانًا لتحضر حدثًا كـ"تنوين"! يكفي أن تكون بعقلٍ حاضر ومنفتح، لتفهم مدى اتساع تلك الأفكار وحقيقة انعكاسها على كل جوانب حياتنا، فهي لا تمنحنا دروسًا في التصميم فقط بل في الحياة برمتها. إن في كل سنة يتبنى "تنوين" مفهومًا معينًا، مثل "اللعب" أو "التعاون" أو "المدى" أو يناقش ما هو أعقد وأكثر عمقًا في موضوعه كمفهوم "الفشل" وثيمة "السقوط للأعلى" مثلًا كأسلوبٍ تحفيزي للتعلم من التجارب الأقل توفيقًا وحظًا.
وفي سياق الحديث عن التصميم والفنون البصرية، لا يمكننا أن نغفل دور إثراء الفعال في استضافة المعارض الفنية رفيعة المستوى، حيث يتبنى المركز في كل سنة معارض لفنانين عالميين ومحليين، من مصممي أزياء، أو فنانين تشكيليين، أو نحاتين، وأبعد من هذا. ومع كل معرض يُحّضر إثراء نفسه لإقامة حدث افتتاحي، للاحتفاء بمجموعات جديدة، تزين زوايا صالاته.
فتلهم تلك المقتنيات والمعروضات، أجمل الأفكار والمعارف، لتقربنا من ثقافات الشعوب، ولتصنع من تجربتنا اليومية قيمةً مضافة، بعيدًا عن المادة، وقريبًا من المعنى.
وعلى هذا فقِس، فإن لم تلهمك كل هذه البرامج والفعاليات لحضورٍ شيء منها، فربما قد حان الوقت، لتنظر للأشياء بطريقة مختلفة، لكون السينما والفنون والثقافة، هي أبعد من مجرد حدث عابر، أو مكان ساحر. إنها الحياة، والحياة لا تكف عن مفاجأتنا في كل فرصة، من خلال حفلٍ مدهش، أو كتابٍ متعمق، أو حدثٍ مبدع، أو حتى معرضٍ يعج بالألوان والأشكال!