رحلة القراءة
كثيراً ما صادفتنا في عالم الكتب والمجلدات عبارة من قبيل (القراءة رحلة)، وهي عبارة بسيطة ومباشرة، إلا أننا عندما نمعن النظر سنجد فيها من العمق ما يحفز العقل على التفكير والتساؤل، تفكير في ماهيّة هذه الرحلة ووجهتها، وتساؤل عن رفاق الرحلة وعدَّتها وعتادها.
القراءة تشبه الرحلة، فهي انتقال بين نقطتين، نقطة اللا معرفة ونقطة المعرفة، يرتحل خلالها القارئ بين جبال المفردات ووديان المعاني، حاملاً أفكاره ومخزونه الثقافي دليلاً له في اقتحام هذه الرحلة وخوض غمار مجاهيلها والشعور بلذة الاكتشاف والمغامرة، حيث إن الفعل القرائي هو مزيج متفاعل بين الكاتب والنص والقارئ.
ومن خلال هذا المفهوم تأتي مسابقة القراءة الوطنية "أقرأ" التي يقدمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) كرحلة شيّقة في عالم الكتب والقرّاء، إذ تستعد المسابقة لإطلاق النسخة الجديدة منها في موسمها السادس، بعد خمسة مواسم سابقة وغنية بالتجارب، فبعد أن كانت المسابقة مقتصرة على قرّاء المنطقة الشرقية فقط في موسمها الأول، أصبحت في المواسم اللاحقة مفتوحة لكل أبناء المملكة العربية السعودية والمقيمين على أرضها، إذ شارك في المسابقة أكثر من 50 ألف مشارك ومشاركة، تنوعت مشاركاتهم في مجالات الأدب والثقافة والفنون العلوم، تحت أنظار جمهور تتجاوز 5 آلاف مشاهد، كما شهدت المسابقة في مواسمها الماضية حضور العديد من الشخصيات الثقافية البارزة مثل الكاتب الأرجنتيني الشهير ألبرتو مانغويل والروائي السوداني أمير تاج السر، كما استقطبت المسابقة خلال السنوات الماضية نخبة من المثقفين الذين أثروا المشاركين في عدد من ورش العمل والمحاضرات المتنوعة، كان من أبرزهم الدكتور سعيد السريحي والكاتب المغربي عبدالسلام بن عبدالعال، وأميرا الشعر حيدر العبدالله وإياد حكمي والروائي التونسي شكري المبخوت والفنان إبراهيم الحساوي والروائية الكويتية بثينة العيسى.
ولأن القراءة كما يقول تودوروف "تفتح إلى اللانهاية إمكانية التفاعل مع الآخرين ... وتزودنا بإحساسات لا تعوّض تجعل العالم الحقيقي أشحن بالمعنى وأجمل" فإن مسابقة أقرأ تتوجّه إلى القراء بوصفهم جزءاً مهماً من المجتمع يتقاسم أفراده حب القراءة وهواية النقاشات حولها، كما قامت المسابقة من أجل ذلك بتطوير فكرة المسابقة حيث جعلت القراء المشاركين يكتبون نصوصهم حول أفكار مجردة بعد أن كان المشارك ملزمًا بالكتابة عن كتاب واحد فقط، وقد كان هدف هذا التطور هو خلق مساحة من الانعتاق الفكري للمشاركين كي تحلق عقولهم في عالم الأفكار دون التقيد بأفكار كاتب ما، ولذلك فإن هؤلاء القراء الذين يبحثون عن بيئة يجدون فيها ذواتهم ويتفاعلون من خلالها مع أشخاص يشاركونهم ذات الاهتمامات والتفاصيل هم مَن تأسست المسابقة لأجلهم.
أما رحلة أقرأ في هذا الموسم فتنطلق من مرحلة التقديم على المسابقة وذلك من خلال الموقع الإلكتروني، ثم يقوم فريق من المختصين بفرز المشاركات الأولية وتقسيمها وفقا للمراحل الدراسية؛ ليتم بعد ذلك ترشيح المشاركات المتميزة إلى مرحلة المقابلات الشخصية، حيث يُجري المشارك المتأهل مقابلة شخصية مع لجنة متخصصة تناقشه في مشاركته وتحدد مدى ملاءمته لاشتراطات المسابقة.
ثم تأتي بعد ذلك المرحلة اللاحقة وهي مرحلة الملتقى، حيث يجتمع المشاركون لعدة أسابيع في ملتقى أعد خصيصا لهم، تُقام فيه العديد من الفعاليات الثقافية التفاعلية، كحلقات النقاش والمحاضرات وورش العمل والأنشطة الترفيهية المتعددة، يتزامن ذلك مع قيام المشاركين بتجهيز نصوصهم التي سيقدمونها في نهاية الملتقى، حيث يقوم المشاركون بكتابة نصوصهم الخاصة التي تمثل أفكارهم وتوجهاتهم ورؤيتهم للعالم من حولهم.
وفي ختام الملتقى يقدم المشاركون نصوصهم أمام لجنة لتحكيم النصوص، يتم من بعدها تاهيل المشاركين المتميزين إلى الحفل الختامي.
يعتبر الحفل الختامي المحطة الأخيرة في رحلة مسابقة أقرأ، حيث يعرض المشاركون نصوصهم أمام جمهور ولجنة حكم، يصحب تلك النصوص عروضٌ مرئية يتم إعدادها خصيصاً لتلك النصوص. وبعد مداولات لجنة الحكم وتصويت الجمهور، يتم الإعلان عن قارئ العام لكل مرحلة دراسية.
إن ما قدمته مسابقة أقرأ خلال المواسم الماضية من برامج وفعاليات جعلها أمام تحديات عديدة كي تبقى رقماً مهماً وطموحاً يسعى إليه العديد من القراء، وتجربة فريدة تستحق أن تُعاش بكافة تفاصيلها. ولأنها رحلة فذلك يعني أنها ستكون زاخرة بالذكريات الجميلة التي ستبقى عالقة في الأذهان عبر العديد من السنوات.