ثلاثاء الطفل في (إثراء)
محطة أسبوعية للصغار حيث "نلعب لنتعلم"
إذا كانت الطفولة هي ذلك الجسر الذي نعبر عليه من سنوات التلقائية ببساطتها وخيالاتها إلى فترة الشباب بحساباته وتعقيداته، فإن الدراسات الحديثة في مجال التربية تؤكد أن سنوات الطفولة ما هي إلا إرهاصات لملامح المستقبل، وفي كل طفل موهبة وبذرة إبداع تحتاج إلى من يكتشفها ويزرعها ثم يوليها ما تحتاج إليه من رعاية واهتمام، فمتى اكتشفت هذه المواهب والقدرات في مراحلها الأولى، ومتى استطاعت الأسرة والمجتمع توجيهها وصقل إمكانياتها بالمعرفة اللازمة، تحولت هذه الطاقات من مجرد مستقبل للمعلومات إلى مصدر للإبداع والابتكار في كافة المجالات.
وهل ثمة ما يمنع البذرة من أن تنبت وتثمر إذا ما توفر لها الماء والضوء والرعاية؟ وإذا ما كانت الموهبة هي تلك البذرة، فإن ذلك الطفل بفرشاته وألوانه وورقته البيضاء ومزيج من المعرفة والتوجيه هو فنان تشكيلي محتمل، وذاك عالم فضاء وتلك مبرمجة وهذا جيولوجي وهذه فيزيائية، وهذا جيل بأكمله يخرج من حدود التعليم التقليدي وأدواته المحدودة إلى التعلم القائم على التفاعل ومزج التسلية بالمعلومة لتصبحَ عملية التعلم وكأنها نزهة ترفيهية أساسها المتعة والمرح.
وفي عصرنا الحالي لم يعد اللعب أداة للترفيه فحسب بل وسيلة أساسية من وسائل التعلم ومفتاحًا للمعرفة في مختلف فروعها، فمن خلال اللعب تصبح التجربة المعملية المعقدة مسرحًا للتسلية والعلم معًا، وتتحول التكنولوجيا بخوارزمياتها المتشابكة إلى مادة للمرح والابتكار في آن واحد، وتصبح نظريات الفضاء والفيزياء العميقة ممتعة وكأنها عزفٌ موسيقي ساحر، لذا تحرص المؤسسات التعليمية بشكل عام، والمهتمة بتعليم الأطفال بشكل خاص على إدخال اللعب كوسيلة لتبسيط العلوم المعقدة أو المفاهيم الصعبة في المناهج الدراسية المختلفة من أجل رفع كفاءة الأطفال في الاستيعاب والتعلم.
وقد سعى مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) منذ اللحظة الأولى لتأسيسه إلى الاهتمام بمواهب الأطفال وطاقاتهم وتوجيهها في مختلف الأنشطة والفعاليات التي أقامها المركز، لذلك جاءت فكرة إنشاء متحف خاص بالطفل في (إثراء) ليكون أول متحف في المملكة خاص بالأطفال حتى عمر 12 سنة، وليكون كذلك محطة للمعرفة تتخذ من شعار "نلعب لنفهم" أساسًا ووسيلة لتثقيف الأطفال وتوجيههم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والفن وغيرها من فروع المعرفة، تحت إشراف خبراء من ذوي الخبرة والكفاءة العلمية والعملية إقليميًا وعالميًا.
وفي كل ثلاثاء يتجدد اللقاء حين يفتح مركز (إثراء) أبوابه في (ثلاثاء الطفل) للطلاب الصغار وأولياء أمورهم للزيارة دون تسجيل مسبق وبالمجان لقضاء ساعتين من الأنشطة والتجارب المحفزة للتعلم بواسطة اللعب؛ لتنمية مهاراتهم الحسية والإدراكية والفنية، حيث يقدم المركز مجموعة متنوعة من الورش والفعاليات والمعارض والفصول الدراسية.
تتنوع أنشطة "ثلاثاء الطفل" ما بين فعاليات ترفيهية كمعارض الفن التشكيلي والعروض المسرحية والسينمائية وورش العمل الخاصة بالرسم وفنون الأداء وصناعة الأفلام وصناعة الدمى الورقية، فضلاً عن الأنشطة العلمية التي تشمل العلوم البحرية وعلوم البيئة والفيزياء والجيولوجيا في المختبر البيئي، بالإضافة إلى معرض الطاقة الزاخر بالأنشطة والتجارب التفاعلية في العلوم التي تم إعدادها للأطفال من كل الأعمار بهدف تعريفهم بمجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات عبر أنشطة تفاعلية حية. وعندما يحين وقت القصة يرتدي الأطفال أزياء متنوعة ليؤدوا قصصًا معروفة أو يبتكروا قصصهم الخاصة في (كهف القصص)، كما يعيش الأطفال جولة حول العالم للتعرف على ثقافات الشعوب المختلفة بهدف تعزيز قيمة التعايش وتوسيع دائرة معارفهم لتشمل مختلف الثقافات.
ويسعى مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) بأن يكون (ثلاثاء الطفل) بمثابة نافذة متجددة يطّلع منها الصغار على حضارات العالم وعلومه وفنونه ويصقلون مواهبهم بمزيج من المعارف والمهارات التي من شأنها تعزيز قدرتهم على الإبداع والابتكار وتحقيق قيمة إضافية للمملكة والعالم.