يروي أحجية الأجداد ويتربع على عرش المعاصرة
بعد مرور مئات السنين على فنّ "مجرور الطائف" الذي توارثه الطائفيون من الآباء والأجداد على مر الأجيال أدخلت الآلات الموسيقية على هذا الموروث الحضاري والثقافي مواكبةً للعصر الحديث، بعد أن كان يعتمد على غناء نص شعري بإيقاع الطبول وقرع الدفوف، كأحد الفنون الشعبية التي يتميز بإبداعه في الكلمات والإيقاعات والحركات المصاحبة للانفعالات الجمالية، ويمثّل بصمة تراثية وإبداعية في المناسبات الوطنية والأعياد والزواجات والحفلات الرسمية، والمهرجانات الثقافية والتراثية.
ثقافة شعبية
قال رئيس فرقة المجرور الطائفي عطالله محمد النمري خلال مناسبة ذكرى اليوم الوطني الـ 90 للمملكة والذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء" إن الفرقة أحيت موروث شعبي اشتهر به أهل الحجاز والطائف، موعزًا تسميته بالمجرور لألحانها التي تشتق بالأصل من ألحان أخرى، مبيناً أن كلمة "مجرور" مأخوذة من جر الكلام بمعنى الإطالة فيه، موضحا أن المجرور له كلمات خاصة تتناسب مع ألحانه، وكل شاعر لديه القدرة في النظم يستطيع أن يتغنى بقصائد عن المجرور، مشيراً أن فن المجرور ترك بصمة خالدة في تاريخ الثقافة الشعبية.
حركات جمالية
يرتدي المؤدون لفن المجرور الثوب الحويسي التراثي المعتمد في أغلب الرقصات في المملكة، وحزام على الصدر يسمى السبتة الجرولية، والعقال المصنوع من القصب والغترة، حيث تضم الرقصة رئيس الفرقة، والصف، وضارب الإيقاع، وتتكون من صفين متقابلين من الراقصين، يترأس كل صف شاعر وهو من يختار اللحن الذي يعتمده قارع الدفوف، ثم يقوم مجموعة من الشعراء بالتحاور فيما بينهم على شكل صفوف تتمايل بحركات جمالية، حيث يحملون في كلمات أشعارهم باقة من الأهداف والمعاني السامية.
تمازج ثقافي
أكد النمري أن أغلب فناني المملكة أدخلوا على فنّ "مجرور الطائف" الآلات الموسيقية كالعود والقانون، وذلك ضمن تأثير العولمة والحداثة على معطيات الثقافة والتراث السعودي، مبيناً أن من أشهر الفنانين الذين تغنوا بفنّ "مجرور الطائف" هم الفنان طارق عبدالحكيم، والفنان محمد عبده، والفنان طلال مداح -رحمه الله-، والفنان فوزي محسون -رحمه الله-، حيث تطور هذا الموروث الذي لا يزال يتغنى به فئة من الشباب من حيث الألحان والأداء إضافةً إلى إدخال الآلات الموسيقية التي أضافت إليه جمالية خاصة.
فن مستقل
استعرض النمري أنواعًا لفنّ "مجرور الطائف" وهي المربوع، والمخومس، والسامر، مشيراً أن المجرور فن مستقل ومتطور وألحانه تشتق من مقامات الطرب وألحانها التي أكسبتها بقاءً على مرّ العصور وجعلت هواته ومرتاديه يطوّرون ويجددون طريقة غناءه ورقصه، موضحاً أن مجموعة من قبائل الطائف اشتهروا بأداء هذا الفن، واستطاعوا أن يطوروا المجرور بإضافة ألحان معاصرة، وهم الأشراف، والغربة، والنمور، وطويرق، وقريش، والمواليد وغيرهم من القبائل المجاورة للطائف، وجميع هذه القبائل اشتهرت بأداء ألحان هذا الموروث.
إعادة الموروث
الجدير بالذكر أن فن "المجرور الطائفي" المتوارث من الآباء والأجداد يرزح تحت تهديد الاندثار، وذلك بعد رحيل رموز الفن، وتقدم فناني المجرور بالسن، ولعدم وجود مراكز تدريب تستقطب الشباب للمحافظة عليه، حيث إنه يوجد قلة من الشباب استطاعوا كتابة نصوص جديدة للمجرور الذي عانق الآلات الموسيقية المعاصرة وتشبث بالبقاء، بمجهود فردي لإعادة الموروث وإحياء الفرق الشعبية من الاندثار.
بقلم: سمية السماعيل