إدوارد جينر ولقاح الجدري
في عام 1754، سمع صبيٌّ إنجليزيٌّ عاملة ألبان تقول: "لن أصاب بالجدري أبدًا لأنني أصبت بجدري البقر". والحال أنّ هذا المُعتقد كان شائعًا، فقد كان الصبيّ متدربًا ليصبح طبيب القرية، وفي نهاية المطاف اعتمد الصبي إدوارد جينر (1749 – 1823)، مصطلح "التلقيح/التطعيم" للوقاية من لُقاح الجدري، حيث يُنسَب إلى إدوارد الفضل في إنقاذ أرواح البشر أكثر من أي إنسان آخر في التاريخ.
وفي 8 مايو 1980م، أعلنت جمعية الصحة العالمية أن العالم خالٍ من الجدري. "لقد تحرّر العالم وجميع سكانه من الجدري، والذي كان أكثر مرض مُفجع يجتاح كوباء في العديد من البلاد منذ زمن، تاركًا خلفه الكثير من الوفيات، والعمى، والتشوهات".
ما مدى سوء الجدريّ؟ في عام 1778م، أشار فولتير أن حوالي 60% من سكان باريس أصيبوا بالجدري وتوفى 20% منهم، وفي عام 1721م، أصيب حوالي نصف سكان بوسطن بالجدري، وأفاد كوتون ماذر أن معدل الوفيات كان 14% بين غير المطعمين، و2% ضمن المطعمين.
وفي عام 1798 نشر جينير "تحقيق في أسباب وآثار لقاح الجدري (Variolae). إنّ "Variolae" هي في الأصل كلمة يونانية بمعنى بقرة –وجدري البقر هو vaccinia. كان التجدير Variolation هو طليعة اللقاح. فقد تضمن وخز بثرات المريض الممتلئة، ووضع ذلك تحت بشرة الشخص غير المصاب، حيث كانت عملية خطيرة يمكنها نقل المرض، ولكن احتمالية الوفاة الناتجة عن الجدري انخفضت بشكل كبير، وقرر جينر أن يسمي هذه العملية "تلقيح/تطعيم vaccination".
أخذ جينر القيح من بثرات جدري البقر على سارة نيلمس، وهي عاملة ألبان انتقل لها المرض من البقرة بلوسوم، والتي ما زال جلدها معروضًا في مكتبة كلية الطب في جامعة سانت جورج.
هل ابتكر جينر لقاح الجدري؟ يبدو أنه تم ممارسة التطعيم (التجدير) في أفريقيا والهند وآسيا قبل ممارستها في أوروبا بوقت طويل، وفي عام 1670م قدّم التجار الشركسيون التطعيم إلى الإمبراطورية العثمانية –وأشار فولتير أنهم كانوا يقومون بذلك منذ أمدٍ بعيد، ولكن في معظم الأحيان، لا يهمّ من ابتكر الشيء بل من كسبه الشعبيّةَ، وإقناع الناس بوضع مادة مرضية في أجسامهم لم يكن أمرًا يسيرًا، حيث لم يكن جينر يسعى إلى الوصول للشهرة، وقد قوبل آنذاك بسخرية بقدر ما تلقى تقديرًا على عمله.
ويعود الفضل في المحافظة على العالم من الجدري للعديد من الأشخاص، ابتداءً من عاملات الحليب وحكمتهم المنزلية لمتلقي اللقاح الأوائل، وأمير ويلز الذي لقح ابنتيه عام 1722م، الأمر الذي كان نقطة تحول في شعبية هذه العملية، ويقوم العلماء والأطباء الذين يطورون اللقاحات بعمل بطوليّ بالتأكيد، بيد أنّ النجاح الحقيقي يقتضي ما هو أكثر بكثير من مجرد فكرة جيدة، إذ يقتضي قيادة مُقنِعة وتقبّلًا مجتمعيًا.
بقلم دانيال كاني