ضمن برنامج تقارُب الذي يبثه "إثراء"عبر منصة انستجرام
جائحة كورونا أعادت تاريخ زمن الأوبئة
الظهران:
استضاف مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) الدكتور محمد البشيّر المشرف على البرنامج الثقافي في جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، وذلك ضمن برنامج تقارٌب في رابع حلقاته التي تبث عبر منصة انستجرام الرقمية، حيث سلّط اللقاء الضوء على روايات الأوبئة تزامناً مع جائحة فيروس كورونا.
وذكر البشيّر وهو المختص بالنقد الأدبي والسينمائي، أن خلق الإنسان ارتبط مع الأوبئة بطريقة أو بأخرى، مستنداً إلى قوله تعالى ((وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ))، ومشيراً ضمنا إلى الحرب الكونية بين البشر وبقية المخلوقات ما يُرى وما لا يُرى من خلق لا يعلمه إلا الله.
قال البشيّر إن الرواية تعمل على استقراء مايحدث في الكون، فهي تعتبر سرد طويل يصف أحداثا واقعية أو خيالية على شكل قصة متسلسلة، موضحا أنها فعل عقلي وكتابي تحتاج الكثير من الجهد كي يصل الروائي إلى ما يستحق الدهشة، موضحاً أن رواية الطاعون للكاتب الفرنسي ألبير كامو من أهم الروايات في تاريخ الأوبئة، وهي رواية تحكي قصة عاملين في المجال الطبي يتآزرون في عملهم زمن الطاعون بمدينة وهران الجزائرية، وتصف واقع الوباء على الطبقة الشعبية، مؤكداً أن الرواية قفزت مبيعاتها تزامناً مع جائحة كورونا، وتستحق القراءة .
أكد البشيّر أن فيروس كورونا أعاد تاريخ زمن الأوبئة التي عصفت بالمجتمعات، باختلاف الوسيلة والأسماء والنواقل والوصف، فهو واقعي انطلاقاً من وباء الطاعون، والحب في زمن الكوليرا، والأنفلونزا الأسبانية، مشيراً إلى أن الأوبئة تفتك بالبشرية ولكنها تُلهم الروائيين، مقرّاً أن الذكاء الروائي يستغل حدثاً مرعباً لتوظيفه في حالة حبّ، كما فعل الروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز في رائعته (الحب في زمن الكوليرا)، حين جعل من الوباء دواء ليصل بطل الرواية لحبيبته من خلال رفع راية الوباء على سفينة تجمعهم؛ ليظلوا مبحرين دون أن يزعجهم أحد.
وشبه البشيّر صراع البشر مع الفيروسات بالحرب القديمة، إذ إن البشر تسلّقوا على كثير من المخلوقات وسخروها لهم، وكيف أن هذه الكائنات اللامرئية تهاجم المخلوقات مرة بعد أخرى، مشيراً أن الفيروسات تطور من نفسها لتكون جنساً جديداً كل مرة، فالحرب سجال .
طرح البشيّر نماذج وأنماط وأساليب مختلفة ووصفها وصفاً جميلا، حيث ذكر أن نجيب محفوظ تحدث في ملحمته الشهيرة "الحرافيش" عن الوباء الذي قضى على حارات مصر وفتك بأهلها فقال " وقف شيخ الحارة عم حميدو أمام دكانه وضرب الطبلة براحته فهرع الناس إليه من البيوت والحوانيت وبوجه مكفهر راح يقول: إنها الشوطة (الوباء)، تجيء لايدري أحد من أين؟ تحصد الأرواح إلا من كتب له الله السلامة، وسيطر الصمت والخوف فتريث قليلاً، ثم مضى يقول: اسمعوا كلمة الحكومة! أنصت الجميع باهتمام، ترى أفي وسع الحكومة دفع البلاء؟ تجنبوا الزحام! فترامقوا في ذهول. حياتهم تجري في الحارة، والحرافيش يتلاصقون بالليل تحت القبو وفي الخرابات، فكيف يتجنبون الزحام؟ ولكنه قال موضحا: تجنبوا القهوة والبوظة والغرز، الفرار من الموت إلى الموت! لشدّ ما تتجهمنا الحياة!".
التقط البشيّر صورة متنافرة تجسّد الفرح بالقبيح في رواية الطاعون حين أبصرا رجلان عودة الجرذان للحياة، وهي إشارة لعودة الحياة ضمناً من خلال هذه الحيوانات المستقذرة، إذ يهتف العجوز فاركاً يديه:
( أية متعة في أن يراها المرء وهي تعدو ) يعني الجرذان.
اختتم البشيّر حديثه، وقال إن جائحة فيروس كورونا ستُأثر بشكل كبير على الرواية، موضحاً أن الرواية عصيّة على التنبؤ بمستقبلها، لأنها متوحشة قادرة دوماً على التشكل كل مرة، موضحا أن كل أزمة أو حادثة كبيرة لابد أن تترك أثرها عبر التاريخ، كحرب الخليج وحرب العراق، متوقعا أن أزمة كورونا ستترك أثرها على العالم والمملكة العربية السعودية ضمناً.
بقلم سمية السماعيل