تعود أهميّة الثقافة بوصفها موروثًا اجتماعيًّا؛ إلى كونها تصل إلينا من أسلافنا، عبر مئات السنين، تحمل التجربة الإنسانيّة، وتاريخ الأجداد، وبحفظها نحفظ هُويتنا، و نمد جذورنا في الأرض عميقًا، ونجتمع حولها لتشكِّلنا، وننقلها بعد ذلك لأبنائنا في سلسلة متواصلة، جيلًا بعد جيل.
في المملكة العربيّة السعوديّة، وفي السنوات الأخيرة، أسهم تطورُ ما يمكن أن يُسمى بـ "الثقافة الماديّة"، والتي تتضمّن النواحي التقنيّة كالاتصالات، والنقل، والطاقة في تطوير وترويج الجوانب الأخرى للثقافة، وأصبح الانفتاح على العالم بشكل أوسع وأقوى مسألة وقت لا أكثر.
ومع غناها بالثقافات المحليّة، المتوزعة على ثلاث عشْرة منطقة، لم يكن صعبًا جذب السُّيّاح من مختلف أنحاء العالم لزيارة المملكة، والتعرُّف على معالمها التاريخيّة، وعادات أهلها، وتقاليدهم، عن قرب.
ومن هنا، وُلد الاهتمام الحكوميّ بقطاع السياحة، فأنشأت الدولةُ المؤسساتِ الثقافيّةَ، لحفظ موروث السعوديّة، وإبرازه، وجمعه تحت مظلة واحدة "وزارة الثقافة"، وتدريب الأفراد المختصّين، ليصونوا ما في أيدينا من ثقافة ثمينة، ويمرروها للأجيال المتعاقبة.
تنوعت المجالات التي تتركز فيها الجهود الحكوميّة، لتطوير الجوانب المختلفة من الثقافة، لتشمل: اللغة، والتراث، والكتب، والنشر، والموسيقى، والأفلام والعروض المرئيّة، والفنون الأدائيّة، والشعر، والفنون البصريّة، والمكتبات، والمتاحف، والتراث الطبيعيّ، والمواقع الثقافيّة والأثريّة، والطعام، وفنون الطهي، والأزياء، والمهرجانات، والفعاليات، والعمارة، والتصميم الداخليّ.. وتأسست اللجان والهيئات المختلفة، لتنمية القطاعات المذكورة.
ومع ما ذُكِر مِن جهود، تقدمها وتستحدثها حكومة المملكة، لحفظ ثقافة هذا البلد وتراثه، كان لا بدّ من ازدهار القطاع السياحيّ، إذ ترتبط الثقافة بالسِّيّاحة ارتباطًا مباشرًا، ولم يكن ازدياد أعداد الزوار "لمدائن صالح بالعلا" و"جدة التاريخية في مدينة جدة" و"حي الطريف بالدرعيّة"، إلا نتاج سنوات من البحث والتخطيط، للاستفادة القصوى من هذه المعالم التاريخيّة، التي تشكّل ثروة ثقافيّة سعوديّة.
نجاح الهيئة الملكيّة لمحافظة العلا، في الكشف عن الكنوز المختلفة التي تحتضنها المدينة، للسياح والزوار، كان ثمرة التعاون بين وزارتي الثقافة والسياحة، حيث أذهلت الفعاليات التي أقيمت في المنطقة الحضور، وذاع صيتها عالميًّا، بأسلوب تسويقيّ، يشمل المنتديات، واللقاءات، والمؤتمرات، وحتى المهرجانات، مثل "شتاء طنطورة". كلّ هذا كان على الرغم من حداثة البرنامج السياحيّ، والتجربة السعوديّة في هذا السياق.
قرية السودة بأبْها جنوب المملكة، كان لها نصيب من اهتمام المؤسسات الثقافيّة الحكوميّة، وذلك لمناخها اللطيف صيفًا، وموقعها الجغرافيّ المتميز بين قمم الجبال، معانقةً السحاب.. وهنا تعاونت وزارة السياحة مع هيئة التراث، ليتسنى لزائري القرية التعرّفَ على الحرف اليدويّة التي تشتهر بها المنطقة، فضلًا عن تجربة تناول الأكلات التراثيّة المحضّرة بأيدي الأهالي، أثناء مشاهدة العروض وحضور الاحتفالات المقامة في الساحات.
وإضافةً إلى النماذج المشرّفة السابقة، نجد مهرجان: الجنادريّة التراثيّ، ومهرجان جدة التاريخيّة، والورود بينبع، ورالي حائل، ومهرجان أبها الغنائيّ، والقائمة تطول.. كلّها نقاط مضيئة على طريق السياحة السعوديّة.
ومن أجل استقطاب الزائرين، أدرك المسؤولون في القطاع السياحيّ في المملكة أهمية تسهيل استصدار التأشيرات السياحيّة، ما مكّن الزوار الأجانب على اختلاف اهتماماتهم ووجهاتهم من الحصول على التأشيرات لدخول البلاد بسرعة وسلاسة، ليبقى خيار السيّاح المحيّر هو اختيار المدينة الأولى على جدول الزيارة.
ورغم ما تدخله السياحة الخارجيّة على المملكة من عائدات، لم يكن يومًا، تحويلُ السعوديّة إلى مزار عالميّ الهدف الوحيد، إذ كثيرًا ما شجّعت الدولة السياحة الداخليّة ومن أجل إرضاء المواطنين والمقيمين، وجذب انتباههم للسياحة في ربوع المملكة، تم إطلاق البرامج المتنوعة، ودُشِنت الهيئات الثقافيّة المختلفة، والمعنيّة بمجال الترفيه والسياحة، كـ "الهيئة العامة للترفيه" التي أثرَت ونوَّعت تجربة السياحَة الترفِيهيّة لكافة شرائح المجتمع، في مختلف مناطق المملكة، فكانت المهرجانات، والحفلات الموسيقيّة والغنائيّة، وصالات السينما، والفعاليات الرياضيّة، والعروض المسرحيّة، هذا بالإضافة إلى مدن الملاهي الحديثة، التي تضاهي مثيلاتها حول العالم، وتبهج زوراها من مختلف الأعمار.
كلّ هذا، وما زالت المملكة تواصل طريقها نحو تطوير القطاع السياحيّ، وتعزيز الثقافة المحليّة والتعريف بها عالميًّا. وعلى امتداد الطريق، لا تُرَى سِوَى بشائر الخير، والرضا الشعبيّ، وانبهار العالم أجمع بالقفزة الحضاريّة للمملكة العربيّة السعوديّة، وتطورها وانفتاحها، مع اعتزازها بإرثها التاريخيّ والثقافيّ الغني والأصيل.
عشر سنوات تفصلنا عن بلوغ الرؤية الحلم "رؤية 2030"، وسنشهد بالتأكيدِ مزيدًا من التقدم على الصعد كافةً، وستصبح المملكة واحدة من أهم عشر وجهات سياحيّة في المنطقة والعالم.