إن كان الأمر كذلك فيجدر بك أن تنظر حولك، فتلك الكائنات اليوم أقرب إلى الإنسان من أي وقت مضى، إنها أقرب إليه إلى درجة أنها من صنعه هو نفسه. الحديث هنا عن الروبوتات، تلك القصة التي ابتكرها خيال الإنسان فأصبحت حقيقةً، ولكنها قصة ليست إلا في بدايتها الآن، ويبدو أنها لن تنتهي قريباً.
فمنذ المحاولات الأولى في القرن الماضي لمحاكاة تصرفات الإنسان وجعل الآلة تؤدي قِسماً من أعماله المتكررة، والإنسان في سعي محموم نحو الأتمتة، حيث إن قابلية الأمر للتحقق على أرض الواقع أصبحت حافزاً ليظل المشروع حاضراً في الأذهان والمختبرات، رغم وجود تحديات تقنية ومعرفية، كالافتقار إلى التكنولوجيا اللازمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن القرن الحادي والعشرين حمل معه فتوحات علمية جعلت الخيال واقعا. وها هي الروبوتات اليوم تسعى بيننا بثقة وتقتحم مجالات عملنا واحداً تلو الآخر دون أن يوقفها شيء. لقد حُقن فيها ذكاء اصطناعي يسمح لها بالاستقلال عنا بتفكيرها وقراراتها الخاصة.
بدايةً من تطوير الصناعات التي تقوم خاصة على تجميع القطع وتركيبها (كما في صناعة السيارات) وصولاً إلى مساعدة الإنسان في مهامه الشاقة أو الدقيقة والمعقدة، كتشغيل الآلات الرافعة أو آليات المراقبة والإنذار، كان دخول الروبوتات منطقياً في ظل التزامن بين مشقة العمل من جهة، ومقدرتها الميكانيكية من جهة أخرى، أو بين دقة العمل وتعقيده من جهة، وذكائها الاصطناعي من جهة ثانية.
المثير اليوم أن الأمور تبدو في طريقها إلى التغيير، ولئن تمكن الروبوت في مرحلة أولى من تعويض عضلاتنا وحواسنا، فإن المرحلة الحالية تتعلق بتعويض أصابعنا ولمساتنا الفنية. وعلى سبيل المثال لا الحصر فهناك الروبوت الذي تم تصنيعه في شركة سيوبو خصيصاً لخياطة الملابس من الألف إلى الياء، وكذلك الروبوت الألماني المتخصص في الطبخ وما يصاحبه من رش التوابل وخلط المقادير، بل إن الأمر وصل إلى الروبوت الذي بإمكانه خياطة جروح المرضى أفضل من بعض الجراحين المتمرسين.
لقد أصبحت الروبوتات اليوم حقيقة واقعة في حياتنا اليومية، مما يفتح باب التساؤل عن المدى الذي سيصل تطورها إليه، فنحن نراها اليوم وقد بدأت تتحسس طريقها إلى مجالات واختصاصات لطالما اعتبرها الإنسان منطقته المحرمة على ما سواه من الكائنات. إن الابتكار والإبداع والفنون والعواطف والجمال، كل هذه مصطلحات لم يكن لها في يوم من الأيام أن ترتبط بغير الإنسان. لكن ذكاء الروبوت يتزايد يوماً بعد يوم، وقد بدأ الإنسان يتابع هذا التطور بقلق، وهو قلق له ما يبرره، لا يتعلق الأمر فقط بخسارة الناس لوظائفهم لصالح التكنولوجيا المؤتمتة بعد أن بدأت شركات مثل أديداس وأمازون في استبدال الروبوتات بموظفيها في اختصاصات إيصال الطلبات والإعدادات اللوجستية والخياطة، فحتى المبدعون والفنانون ليسوا بمنأى عن هذا الضيف الجديد الذي يكتسب كل يوم مهارات جديدة، وإذا كان الخياطون قد خسروا وظائفهم اليوم فإن الدور آتٍ غدا على المصممين ورواد الموضة. الروبوتات في طريقها اليوم إلى اكتساب العاطفة والقدرة على الإبداع، وإن هذا التطور سيكون بوسعه تحقيق البقية الباقية من خيالاتنا العلمية القديمة.