سِحرُ المكان

حين تُلقى على أسماعنا كلمة "سِحر" يتبادر إلى ذهننا تعويذات وتمائم ولغة غير مفهومة، وفي واقع الأمر ما تطويه هذه الكلمة أكبر من ذلك بكثير، فالسِحر بالإمكان أن يكون موسيقى رّنانة، بالإمكان أن يكون كمانًا وتشيللو، نايًا أو صنجًا،  فيلمًا عميقًا أو مسرحًا مهيبًا، وهذا بالتحديد ما حدث خلال ليلة شتوية من شهر فبراير حين غمر مسرح "إثراء" الكثير من السحر في العرض الحيّ لفيلم "هاري بوتر وحُجرة الأسرار" من أداء الفرقة الإيطالية المحترفة "إيتاليانا ديل سينما" والرائدة في مجال عزف الموسيقى التصويرية للأفلام، بقيادة المايسترو "تيموثي هنتي".

توافدت جموع المعجبين بـ"هاري بوتر" السلسلة التي أحبها جيل من الأطفال والمراهقين والشباب كذلك، فبعضهم قد أصبح أبًا بالفعل يحكي لأبناءه عن رواية سحرية بطلها فتىً شجاع يحارب شريرًا شوهته الكراهية، والبعض الآخر يملك ذكرى قريبة للسلسلة ويرغب في إحيائها من جديد عبر حضور عرضٍ حيّ لموسيقى "جون ويليام" الشهيرة.

ولأن العرض بمواصفات عالمية ويتطلب كنفًا بمقاييس عالية، كان مسرح "إثراء" خير منزلٍ وخير أهلٍ لهذا، مع ثلاثة طوابق تمنحك رؤية ممتازة من جميع الجوانب وهندسة صوت وإضاءة لا تقل جودتها عن أي مسرح عالمي في أشهر العواصم، وهذا لإعطاء محبي السلسلة تجربة متكاملة ككل معجبيها في كل مكان.

استُهل عرض المسرح الاستثنائي بدخول الفرقة وعلى رأسهم المايسترو/ قائد الفرقة والذي ألقى كلمة افتتاحية باللغة العربية ليرحب بالحضور وليخطرهم أن بوسعهم التفاعل على المشاهد والشخصيات المفضلة لديهم أثناء العرض الحيّ، بينما كانت الآلات بين الأيدي والشاشة الضخمة للفيلم في الخلفية. مع دقة رائعة للموسيقى المعزوفة، والتي تبدو بالكاد حيّة لشدة تناغمها مع الفيلم المعروض على شاشة من 40 قدمًا.

 


 

الصوت كحليّ للصورة

في فيلم "هاري بوتر وحُجرة الأسرار" تتصاعد الأحداث وتتراجع كثيرًا فهو الفيلم الذي يطرأ فيه على حياة بطله تغيرات كثيرة أوجبت حضور موسيقى تصويرية غامرة بالمشاعر.

إذ يبدأ الفيلم بلحظات من النوستالجيا بينما يقوم "هاري بوتر" بتقليب ألبوم صورعائلته حين كانت الموسيقى حاضرة لتدغدغ المشاعر، وعندما التقى "هاري" بأصدقاءه الأوفياء كعائلة "ويزلي" الكادحة، أدت الموسيقى دورها بجعل القلب يتراقص معها، وبينما أخفق "هاري" بقول تعويذة بشكل خاطئ استجابت الموسيقى لتنتشل الموقف من الحرج، أما أثناء الدخول إلى البَهو العظيم فقد غمرت الموسيقى السعيدة الحضور وأحاطته بالحميمية والألفة.

عند لحظات حبس الأنفاس حين فرّ كلٌ من "هاري" و"رون" من العناكب الضخمة لم تنفك الموسيقى عن لعب دورها أيضًا، وفي أوقات القتال الرهيبة حين تعارك "هاري" مع "توم ريدل"/ "فولدمورت" كانت الموسيقى سلاحًا جامحًا كحد السيف الذي حمله "هاري" في المشهد القتالي، فقد تصاعدت المؤثرات الصوتية إلى الحد الذي جعل الأعصاب مشدودة للغاية.

وعلى هذا المنوال حضر الصوت بصحبة الصورة لتزيين كثير من المشاهد كالحليّ تمامًا.

 


 

قيمة الفنيات أمام الأدب

إن رواية "هاري بوتر" بالأجزاء السبعة كاملة هي في الواقع إعجاز أدبي فذّ، شكلته كاتبتها "جاي كي رولنج" عبر مخيلة عبقرية، أما فيما يخص الفيلم، فهو من إنتاج ضخم وطاقم ممثلين وموسيقى تصويرية تضيف جمالاً فوق جمال الأعمال الأدبية المكتوبة والتي حرصت "وارنر ميديا كونسيومر برودكتس" على التسويق لها عبر مثل هذه العروض الحيّة والمستمرة منذ سنوات.

وتلك الجمالية الإضافية التي أتحدث عنها هي ما قام مسرح "إثراء" باحتواءها، جاعلاً كل شخص من الحضور في رحلته السحرية الخاصة به والتي تشبه الالتحاق بمدرسة "هوجوورتس" أو ركوب سيارة طائرة للمرة الأولى، فهي تجربة فريدة ينالها الشخص حين يحظى بالفرصة.

 


 

تفاعلٌ مُدهش

لقد منح مسرح "إثراء" والذي يتسع إلى 900 شخص تجربة مثيرة للتفاعل، فالحضور وردود الفعل هي أجزاء أساسية من العرض، الضحكات والشهقات والعبوس قد كّون تواصلاً مذهلاً لا تقل قيمته عن قيمة العرض نفسه. فالجمهور إما أن يكون مستقبلاً نشطًا أو مستقبلاً خاملاً يتعس العرض ويقلل من دهشته، وفي هذه التجربة بالتحديد كانت الأمور مختلفة، إذ مرّ على نزول السلسلة السحرية عشرون عامًا بالفعل، مما يعني أنها سلسلة راسخة في قلوب هواتها، يعرفون شخصياتها ويكنّون الاحترام لبعضها أو الكراهية الجمّة للبعض الآخر، وهذا ما أظهره محبوها أثناء ليالي العرض بالتعبير بأشكال مختلفة، حيث حمل كثيرون بين أيديهم عصًا سحرية أو شالاً ملونًا لأحد المنازل الأربعة، وآخرون قد تحمسوا لترديد الجُمل الأيقونية مثل "لا أستطيع فهوجوورتس هي منزلي" وغيرها من الجُمل.

 كما أن المشاهد المؤداة بتميز مثل اجتماع الأصدقاء الثلاثة بعد فراق أو انتصار فريق على آخر في مباراة الكويديتش أو تلك التي يفصح فيها "توم ريدل" عن هويته، تلقى ردودًا محمومة لكونها تلامس الجمهور بكل ما لديه من شعور.

كل هذا وأكثر تبناه مسرح "إثراء" أثناء العرض الحيّ لـ موسيقى "هاري بوتر وحُجرة الأسرار" فمثل هذا الصرح هو في واقع الأمر مساحة تحتضن الفن وتتسامح معه، حُجرة مليئة بالتجارب والأسرار التي تخص المرء وحده، ووجهة تُحسِن لكل مقتفٍ للإبداع في بيئة لا تزال تتعطش لمزيد من السِحر الإنساني.

 

 

 

 

 


 

بقلم: 

ريم الرتوعي 


 


 

المدونات المتعلقة

For better web experience, please use the website in portrait mode