أبواب المركز مفتوحة حتى الساعة 12:30 ص
إن إدراكنا للعالم يتم عبر حواس متعددة، وعلى غرار حواس التذوق واللمس والشم، يمكننا الإدراك على مدى مسافات عبر حواسنا البصرية والسمعية، وبالتالي ندرك المساحات المادية والاجتماعية الأوسع التي نعيش فيها. بينما تبدو العين التي تبصر واقعًا ثلاثي الأبعاد تمد العقل بتصور أفضل من الأذن، إلا أن السمع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة الاجتماعية. ومما لا شك فيه أن الثقافات الغربية تفضل الضوء والبصر للإدراك (أي تفضيل "الرؤية بأم العين" على "قيل وقال") ومثلها الأوساط الأكاديمية، إذ تُدرَّس الأشياء المادية كثقافة بصرية. ومع ذلك كله فإننا نسمع العمارة، حيثُ يعد الصوت والسمع اجتماعيين أكثر مقارنة بالضوء والرؤية، فأولئك الذين حُرِموا من نعمة السمع أكثر عزلة من أولئك المحرومين من نعمة البصر. كما تتركز العبادات في دين الإسلام بذكر الله عبر الكلمات المنطوقة ويرتبط تصميم المسجد بالضرورة بالصوت والظاهرة في هيكله عبر مئذنته وقبته أو سجاده، فهيكله مصمم لتعزيز الاستماع الجماعي: في الأذان (للصلاة) والخطبة والدعاء وتلاوة القرآن الكريم. يصدح أذان المساجد بصوته الجهوري الأخاذ، وتشكل بعضها البعض بشكل حيوي مما يسهل الانسجام مع الحياة الاجتماعية المحلية. ومع ذلك، فإن معظم دراسات العمارة الإسلامية تختزل المسجد إلى شكله البصري المعزول اجتماعيًا حتى صار صورة مثالية بتكلف، ثابتة وخالية من الناس أو الأصوات ومختصرة في رسم هندسي أو إسقاط محوري ثلاثي الأبعاد. قد تفي مثل تلك التمثيلات الاجتماعية الصامتة بالغرض لكتابة التاريخ الثقافي، ولكنها تخفق بجدارة أمام ترجمة التجربة الروحية العميقة، لذلك أنا مُقدمٌ على إعادة طرح المسجد بصوته الجهوري ومشاهده الصوتية كملامح معمارية انسيابية تشكل المعنى الروحي وتتشكل منه وتمضي نحو استيعاب شامل وعميق للمساجد ولحياة المسلمين وعقيدتهم.