عن إثراء

يرحب إثراء بك في مغامرة جديدة وتجارب جديدة تغذي إبداعك وإلهامك وشغفك بالتعلم.

استكشف عن إثراء

عضوية إثراء

أبحر أنت وعائلتك في رحلة إلى عوالم الفن والثقافة والابتكار والكثير من عوالم المعرفة، واكتشف المكتبة…

استكشف عضوية إثراء

 

الصورة بعدسة أحمد عبدالواحد الحموان @a7m__3



 

  

لا شيء أصدق من أن تكتب نفسك عندما تنوي كتابة الرواية أو القصة، ولكنّ ذلك أشعرني بالتعرّي والانكشاف، وإعطاء القارئ فرصة محاكمتي، تلك المحاكمات التي أراها في عين كلّ من يقرأ لي قصة تعيدني للوراء، عندما تورطت في الكتابة، بوصفها فعل ملاذٍ ولجوءٍ من شعور الغربة. لم يكن الانتقال إلى المدينة أمرًا سهلًا على شاب من قرية، أو بلدة طرفيّة في أرجاء المملكة، كان الانبهار الأوّل بالمدينة ذراعين تمتدان كدعوة لاحتضاني، ثم ما لبث أن تحول إلى يدي شخص يريد اكتشافي، وإعادة ترتيبي بما يتناسب مع هذه المدينة، وتغيّرت مشاعري تجاه نظرات الترحاب، لأفهم متأخرًا أنّها نظرات فضول أبقتني في دائرة "التنميط".

أنا نموذج "ابن القرية"، الغريب الذي يحمل حكايات الأطراف، وقصص الجدات، والأكلات الشعبيّة، وما يشبه مظاهر السذاجة، الشخص الذي لا يعرف ما هي الوجبات السريعة، المنبهر بالكاتشب والمايونيز، المذهول بالمصاعد في الأبراج، كنتُ القصة التي تمشي على قدمين، في كلّ لقاء يطلب مني الحديث عن موقف يثير استغرابهم أو ضحكهم، شعور بالتفوق والمركزيّة يجعلهم يبقونني مسامرًا جيدًّا، يقطع عليهم رتابة هذه المدينة التي غرقوا في حركتها، حتى أصبحت شيئًا لا معنى له، أنا "المعنى" الجديد لحياتهم، الإضافة التي يريدون استهلاكها، قبل أن يأتي"ابن قرية" آخر، من قرية أخرى. 

 

كانوا يتلذّذون بما يفاجئونني به من تفاصيل تلك المدينة، يراقبونني عن كثب، ليفوزوا بأول انطباعِ مفاجئةٍ واستغراب يصدر عني، لا يُلامون بذلك، فحتى الأدب كان قائمًا على ذلك، بل إن القصص والروايات ـ وإن جعلت من " ابن القرية" البطل الذي ينتصر على المدينة ـ ما زالت حكاية تستحق القراءة، وأصبح الأدب يقتبس هذا النمط ليرسم عليه شخصيّة جاذبة، يحملها كل انفعالاته العاطفيّة، يخرج بها في مبالغة إلى خارج المألوف، كي يقول للقراء، نعم إنه " ابن القرية "، فيبدو الأمر كأنّه انتصار له، وهو في الحقيقة تكريس يرسخ في تاريخ الأدب وشخصياته، رسم دارج لصفات "الغباء"، و "البلاهة"، و "السذاجة"، و "الفقر"، و "الرجعية"، و "التخلف".

 

نمط كإطار لصورة تجمع كلّ ذلك، وتلوّن شخصيّة "مكافحة" و "بطوليّة"، ثم تفاجأ بأن هذه الشخصيّة النمطيّة أصبحت هدفًا للتقمّص، وسيلة لتكثيف الصورة الكفاحيّة لكل شخص ناجح، لدرجة التفاخر والتباهي، بأن يقول مليونير إنّه كان يأكل الخبز اليابس، أو أنه يمشي حافيًا لمدرسته، ويضيفها في سيرته، وهو يعلم تمامًا، أنّه كان يكرهها، كان يكره أن يحكيها للآخرين، أو بشكل آخر يكره أن يظهرها كانكسار واحتياج يستجدي التعاطف لا المحاكمة، لا النبذ، لا الإهمال. يغرق مجتمعنا في نمطيّات كثيرة، يخطف منها الأدباء نمطًا دون آخر، نمط فكريّ، نمط دينيّ، نمط اجتماعيّ، ولكن ليس كنمط "ابن القرية" الذي تبنى عليه كل المفارقات، حتى التاريخيّة منها، هو هيكل الحمولة الكاملة لكلّ نمطيّات المجتمع في مراحل تكونه وتغيراته، هو المثال الأوضح لانتصار الحضارة والتطور، هو نموذج يمكن عرضه في: مهرجان تراثيّ، في رواية، في قصة، في متحف، ليقال للأجيال: هكذا كان أجدادكم، والحقيقة أنه ليس شخصيّة خياليّة، هو نمط واقعيّ، وجزء من مكونات المجتمع، والتعامل معه ـ بوصفه فعلًا إبداعيًّا في الفن والأدب مجردًا من امتداده المستمر في الواقع ـ يجرّده من إنسانيته، ويحيله إلى وظيفة جماليّة لا معنى لها.

 

 

 

  

  

أخبار ذات صلة

For better web experience, please use the website in portrait mode