عن إثراء

يرحب إثراء بك في مغامرة جديدة وتجارب جديدة تغذي إبداعك وإلهامك وشغفك بالتعلم.

استكشف عن إثراء

عضوية إثراء

أبحر أنت وعائلتك في رحلة إلى عوالم الفن والثقافة والابتكار والكثير من عوالم المعرفة، واكتشف المكتبة…

استكشف عضوية إثراء

فُجعت الساحة الفنيّة السعوديّة قبل أيام، بخبر رحيل الفنان التشكيليّ البصريّ سعد العبيد، بعد عمر حافل بالسفر الممتع عبر الألوان، يوزع الجمال حيث حلّ، ويزرع الدهشة أنَّى مضى، ويثير الأحاسيس والعواطف متى امتشق ريشته، وترجم حوار الفرشاة واللون، على بياض اللوحة المحايد؛ بكته الساحة الفنيّة والثقافيّة بكامل فجيعتها، بكاه مرسمه والألوان، بكاه عشاق الجمال من أصدقائه ورفاق فنّه، وبكته لوحاته المتفرقة على جدران: المتاحف، والمكاتب، وغاليريات الفنّ في السعوديّة وخارجها.

كان حجم الفجيعة كبيرًا، فالراحل إنسان اختط لنفسه مساحاتٍ شاسعةً في قلوب الناس، ليس فقط عن طريق فنّه و إبداعه، وإنما لأنه خُلق إنسانًا محبوبًا.

 

ولد الرَّسام والخطاط وعاشق الجمال، الفنان السعوديّ سعد العبيد سنة 1945 بمدينة الرياض، وفيها تلقى تعليمه، وتدرج في سلم المعرفة حتى تخرج في معهد المعلمين سنة  1962 مدرسًا، ومارس مهمة تدريس التربية الفنيّة لتلاميذ الابتدائيّة ثمانيَ سنوات، قبل أن يأخذه الشغف إلى طريق آخر، طريق التعبير عن دواخله بأبجديّة الجمال، ولغةِ تشكيل الألوان.

 

بدأ العبيد يرسم لنفسه معتمدًا على مواهبه الذاتية، وقليل مما تعلمه عندما كان تلميذًا بذهنٍ مفتوح على مداءات التجريب؛ واستمر على ذلك حتى استفاد من دورتين تدريبيّتين في الرسم بمدينة الطائف سنة  1976 وضعتاه على خط الاحتراف، ووطّدتا علاقته بالرسم، وهوسه بالتشكيل البصريّ، ثم ابتعث إلى فرنسا ليحصل منها على دبلوم الرسم التلفزيونيّ؛ فعيّن على إثرها رسامًا مشرفًا على قسم الخط بتلفزيون الرياض، تلك المهنة التي فتحت أمامه أفقًا ممتدًا يمزج بين الرسم، والخط، وفلسفة الألوان، ويؤاخي بين الرسم المجرد والصورة الفوتوغرافيّة.

 

إلى جانب نشاطيه: المهنيّ والإبداعيّ، اضطلع الراحل بجهود عظيمة في سبيل تطوير الفنّ التشكيليّ في المملكة، سواء من خلال الإطار الجمعويّ التنظيميّ، أو من خلال المبادرات الشخصيّة، فإليه يرجع الفضل في تأسيس مجموعة الملتقى التشكيليّ، الذي تولى رئاسته، كما نشط في جمعيّة الثقافة والفنون بالرياض، حيث كان رئيسًا للجنة الفنون التشكيليّة بمركزها الرئيسيّ، واستغل تلك الفرصة لتدريب عشرات الشباب السعوديّين، ودمجهم في الحركة التشكيليّة الوطنيّة؛ وكان عضوًا ببيت التشكيليّين بجدة؛  وعضوًا مؤسسًا لجماعة ألوان التشكيليّة؛ ومشرفًا عامًّا على مرسم نادي الشباب بالرياض، تلك النافذة المشرعة أمام الفنانين التشكيليّين الشباب: هواةً ومحترفين.

 

في سنة 1999 قرر سعد العبيد أن يتفرغ للرسم، سعيًا إلى قضاء أكبر وقت ممكن في الإبداع ورسم  اللوحات التشكيليّة، وفِي سنة 2008 دشَّن مرسمًا خاصًّا به، جعله مُحترفًا ومُعتكَفًا يخلو فيه إلى ذاته في لحظات الإلهام، ليشكل من خامات الألوان ما يبهر به عيون وقلوب متذوقي الفنّ. وقد أقام تسعة معارض تشكيليّة شخصيّة، قدّم فيها مشروعه الفنيّ ورؤيته للثقافة والحياة، وأسلوبه في فهم الواقع، ثم شارك في عشرات المعارض الأخرى، جمعته مع أسماء فنيّة سعوديّة وعالميّة، ومثّل المملكة في معارض فنيّة في كلٍّ من: سوريا، الإمارات، مصر، تونس، السودان، ألمانيا، وبريطانيا. كما كان عضوًا في عدَّة لجان تحكيم بمعارض تشكيليّة داخل السعوديّة وخارجها.

 

في عامي 1985 و 1986 أوكلت إليه مهمة الإشراف على إدارة معارض الرياض ـ إعدادًا، وتنسيقًا، وتصميمًا ـ ومعرض المملكة بين الأمس واليوم، في مدن: كولون، وشتوتجارت، وهامبورغ، والرياض، ولندن، وباريس، والقاهرة، ورغم خبرته السابقة في تنظيم المعارض، إلا أنّ هذه المهمة شكّلت تحدِّيًا كبيرًا، نظرًا لجسامتها ولسقف انتظاراتها العالي، تجسيدًا لصورة المملكة خارجيًّا، مما يتطلّب عملًا متكاملًا على الشكل والمحتوى وإتقان كل التفاصيل الصغيرة، وقد أدى العبيد مهمته بإتقان وتفانٍ، تمامًا كما يرسم لوحة تملأ روحه وتحتل وجدانه.

 

 لم تكن مسيرة العبيد الزاخرة بالعطاء لتمر دون عرفان بالجميل من طرف كلّ الذين عرفوه، عرفانًا جاء مرارًا على شكل تكريم وتقدير، ففي سنة 2008 نال درع التكريم من طرف لجنة الفنون التشكيليّة بالمهرجان الوطنيّ للتراث والثقافة. بعد ذلك بعام تلقى تكريمًا من اتيليه جدة للفنون الجميلة. وقبل عامين من رحيله نال تكريمًا من الجمعيّة السعوديّة للفنون التشكيليّة 2018، فضلًا عن عشرات التكريمات والأوسمة ونياشين التقدير، التي يتحفه بها يوميًّا عشاقه، وأصدقاؤه، وتلامذته، ومن يدينون له بالجميل، جراء كل ما قدّمه للفنّ طيلة حياته.

 

على امتداد مسيرته الفنيّة الطويلة والثريّة، ظلّ العبيد يحمل الوطن بين جوانحه، ويترجمه حبًا في كلِّ لوحاته الخالدة، التي راكمتْ تفاصيلَ الجمال على امتداد نصف قرن من الزمن.

 

 

أخبار ذات صلة

For better web experience, please use the website in portrait mode