المشاعر الإنسانية.. ذخيرة الفنان ومستودع إلهامه
عمل … للفنان صديق واصل
بالنسبة إلى الفنان المتجدد صديق واصل، فإنّ العاطفة هي الأساس الذي يدفع الفنان ويحركه في أعماله، كما إن دورها في تشكيله وتزويده بالمضامين السخيّة - وهو يتعاطى مع فنونه - لا يقل عن قيمة بقية أدواته لصناعة إنتاجاته الإبداعيّة.
واصل ابن مكة المكرمة، فنان متعدد المواهب، يقترب من إتمام عقده الرابع في مجال الفنّ والإبداع والإنتاج، وقد تنوعت عطاءاته في مجال الفنّ التشكيليّ، والنحت، والكتابة الأدبيّة، والإخراج المسرحيّ، كما تلقى العديد من الجوائز، وأقام عشرات المعارض الشخصيّة والمتنوعة، وأحد أعماله التشكيليّة تحوّل إلى فكرة مسرحيّة مستوحاة من قطعة فنيّة، أودع فيه واصل مضمونه الإبداعيّ واستنطق عبره تفاعل الجماهير.
ما يصدر من القلب، يقِر في القلب، كما يذكر واصل وهو يشير إلى مستودع المشاعر الذي ينعكس على الأعمال الفنيّة والإبداعيّة، لأن العاطفة هي غذاء هذه المشاريع، والسرّ الكامن وراء تبنيها وإنجازها، ثم النظر إليها من الجمهور.
ويرى واصل أن على الفنان أن يتبنى منهجية شخصية، يجدد بها "قوته الابتكاريّة" ويحافظ على حيويّتها، بحيث يستمر لعقود في تقديم أعمال تلفت الانتباه وتشدّ إليها الجماهير، كي يفوز بتحدي عدم التكرار والخروج عن عجز تجديد الذات والعطاء الفني.
عمل … للفنان صديق واصل
لا يزال واصل، وهو على مشارف العقد الرابع في المجال الفنيّ، يحتفظ بمكانته الفنيّة، ووهج أعماله، وعن ذلك يقول: " التجدد والتنوع والاختلاف هو ما يعطي الفنان قوته وثباته، وأنا أعيد هذا إلى "الموهبة الحقيقيّة" لأنّها على الأغلب لن تنضب ولن تتوقف عن تقديم نفسها، في حال أخلص المرء واجتهد في تنميتها وصقلها وتطويرها ورعايتها والاهتمام بأسباب تدفقها.
هذا سرّ الأعمال الخالدة التي لم تخمد قوتها ولم تنطفئ جذوتها، ولا تزال تمدّ العالم بمساحات واسعة وخصبة وسخيّة بالتفكير والتأمل والمتعة، وحسب المؤشر القرآني، فإن ما ينفع الناس يمكث ويبقى ولا يزول أو يحول".
وبفضل عدد من التقنيات والممارسات، مثل الاطلاع المستمر، والجرأة في تجربة مجالات أو فضاءات أخرى؛ يحافظ الفنان على وتيرة موهبته وإنتاجه بحيث تبقى عالية وحاضره، وتجعله في الصفوف الأولى على الدوام.
يقول واصل: "السر يكمن في الحفاظ على مهارة مخاطبة الإنسان من الداخل، مثلما قد يتفوّق شخص بسيط بدون شهادات أو إجازات علميّة على تأثيره ونبوغه وتفوقه على الآخرين، وذلك بفضل خريطة التجارب والمعاني التي تلقاها مباشرة من وحي سعيه على الأرض، وانكشاف العالم بنور بصيرته وتواضعه وسجيته النافذة، ولنتذكر دائمًا: العمل الجيد يفرض نفسه".
يستخدم واصل في أعماله قطعًا معدنيّة صلبة ومصمتة، ويحولها بطريقته إلى أعمال وقطع ذات معنى، يبعث فيها روح العاطفة، وهو ما يجعل عمله جامعًا بين النقيضين، من أقصى قسوة المادة إلى أقصى قوة العاطفة، يقول واصل: "هذا جزء من تجليات خلافة الإنسان وعمارة الأرض، في استثمار كل ما سخّر له عليها لخدمة هدفه الأسمى، ويأتي دور النوابغ وآحاد المتميزين في تحويل هذه الأفكار إلى محسوسات".
ويعتبر عمله الفني (التواءات إنسانية- 2019) أحد أوضح الأعمال الخاصة به تجسيدًا لعواطف الإنسان، وهو عبارة عن مجسم من أنابيب الحديد الأحمر الملتوية، ويعبّر الفنان صديق واصل من خلالها عن الانفعالات الحسيّة والصراعات الداخليّة المشكّلة للالتواءات النفسيّة بداخل الإنسان، إذ تمثّل التواءات الحديد قوة المشاعر والأحاسيس؛ فهي تستطيع تحويل وصنع التغيرات مهما كان الإنسان قويًّا.
يقول واصل بشأنه: "العمل يخاطب كل الناس، نخبَهم وبسطاءهم، تصل إلى الفرد رسالة العمل عبر نوافذ قلبه، ينجذب إليه ويشعر بأن العمل يعبر عنه ويتحدث بلسان مشاعره، لأنه يمثّل الحالة الإنسانيّة وينطق بالنيابة عنها".
التعبير عن علاقة الإنسان بمحيطه، عن تحولاتها وانعكاساتها، واحدة من أكثر أغراض الفن ومساعيه، ينجح الفنان في تصويرها ضمن مفاهيم فنيّة مبتكرة، يجسدون متغيرات تلك العلاقة، وقوة المشاعر والأحاسيس التي يختبرها الإنسان أثناء تجاربه المتعددة والمختلفة.
عمل … للفنان صديق واصل
تتسم أعمال الفنان السعوديّ ، صديق محمد واصل، بإعادة ابتكار المعنى في القطع المعدنيّة الملقاة على رصيف الإهمال، يعمل على تطويع الحديد ومعالجته بالنار واللحام، محولًا التروس والأسلاك والسلاسل إلى أعضاء في مجسّماته، وتحويل المسامير وشرائح الحديد إلى تحف فنيّة.
تعود الفنان صدّيق واصل البحث في أنحاء مكة المكرمة عن بقايا مواد مهملة يعيد إحياءها في منحوتاته، وأغلبها من الحديد والحجر، ثم ينقلها إلى ورشته الخاصة ويبدأ في اختراع شكل جديد تأخذه تلك القطع، ومعنى عميق تتبناه، وتخرج إلى الجمهور في شكل تحفة فنيّة تثير لديهم الكثير من الأسئلة، وتزرع في داخلهم حدائق من التأمل والتفكير العميق.
تتشكل انفعالاتنا الحسيّة وصراعاتنا الداخليّة في أعمال الفنان واصل، حيث يترجم الفنان سيكولوجيّة الإنسان عبر أنابيب الحديد الصلب، وبقايا ورش السيارات المتفحمة، وقطع الحجر المبدد في الشوارع، ثم يعيد تجميعها، وإعادة تعريف علاقتها ببعضها في شكل فنّيّ مفاهيميّ مميز ولافت.