لوحة ( الدوّامة ) للفنانة: سكنة حسن
تكتبها: وجدان المالكي - صانعة محتوى في مجال الموضة والمظهر
وضعتِ الحرب العالميّة الثانية أوزارها سبتمبر 1945م، بعد سنين من الدمار والدُّخان، وخرج العالم مُنهكًا وجريحًا من هذه الحرب الطاحنة، باحثًا عن مساحة فرح غابت عنه طويلًا، وعندئذ، شهد العالم في حقبة ما بعد الحرب ظهورَ ألوانٍ جديدة في تصاميم الأزياء، ليبرز: الزّهريّ، والأزرق، والأخضر، والأصفر، بشكل صارخ، وغير مسبوق. ولم يكن ذلك الظهور إلا محاولة للتعبير عن الفرح والبهجة لدى مختلف شعوب الأرض، ولقد كان لتلك الأزياء الملونة دورها، بوصفها خطوةً ناعمةً للتخفيف من مآسي الحرب، وتسلُّل البهجةِ للأجواء العامّة عن طريق دمج هذه الألوان وإظهارها.
لا شكَّ أنّ ثمة أثرًا عميقًا تتركه الأزياء في الذات الإنسانيّة ومشاعرها وعواطفها، وهو ما جعل من الأزياء فنًّا قائمًا بذاته، ومزدهرًا على نحو متسارع، والحقيقة أنّ هذا التطور في فنِّ الأزياء ليس وليد اليوم، فلو تتبّعنا تاريخ الأزياء لدى سكان شبه الجزيرة العربيّة – على سبيل المثال – لوجدنا أن قطعًا مثل: العقال، والغترة، والمسفع، والبرقع، والبيشة، والشمبر، و الفروة، وغير ذلك، قد تغيّرت كثيرًا، في: تصاميمها، وموادها، وألوانها. ففي وقت مبكر كان المؤثر الأول لصناعة بعض تلك القطع ـ مثل العقال و الغترة ـ هو للحماية من العوامل الجغرافيّة، مثل: حرارة الشمس، والعواصف الرمليّة، والبرد القارس في فصل الشتاء، وكانت تصنع هذه القطع من: الصوف، والقطن، و الكتّان، وألوان محدودة، وبأقل تكلّف، وأقل زينة أو إضافات جمالية، إلا أنّها اليوم قد أصبحت زاخرة بالتصاميم الإبداعية وبالنقوشات والزخارف، ولا شكّ أنّ الدافع والمحفز الأول لهذا الإبداع الحديث كان التعبير عن الفرح، إذ تطور العقال من مجرد قطعة قماش ملفوفة لتثبيت الغترة، إلى قطعة أنيقة، مصنوعة من القيطان، و مزينة بخيوط معدنيّة بالزري الفضيّ أو الذهبيّ. كما تطوَّر الشماغ من مجرد قطعة قماشيّة للحماية من الشمس، إلى غُتَرٍ مطرّزة ومزخرفة بالخيوط والأهداب، تُلبس في المناسبات المختلفة.
إن هذا التطوّر في صناعةِ الأزياء وتصميمِها هو نتيجة للوعي الإنسانيّ بالدور الكبير والخفيّ الذي تلعبه الأزياءُ وألوانُها وتصاميمُها في صناعة حياة الناس وأمزجتها، بل إنّها أصبحت اليوم جزءًا أصيلًا في الحياة اليوميّة، ورفيقة كلِّ صباح عندما يبدأ المرء يومه باختيار القطعة التي تعبّر عنه في بداية كلّ يوم جديد.