ما وراء التحدي: ماذا يمكن لـ"تنوين" أن يُلهم أيضًا؟
قال الشاعر رالف والدو إيمرسون: "المهمّ الرحلة، لا الوجهة". ينطبق الشيء نفسه على الابتكار فالمحصّلة النهائيّة التي نسعى إليها وما يمثّل مصدر إلهامنا هو أن نرى مشروع أحلامنا قد اكتمل، حيث يلهمنا الوصول إلى هدفنا بالاستمرار بينما في حقيقة الأمر يتوجّب علينا أن نركز على رحلة الابتكار ذاتها، إذ يستخدم صانعي المحتوى الأدوات لتحويل أحلامهم إلى واقع، ومع إطلاق موسم "تنوين" للإبداع الرابع لإثراء تحت شعار "الأدوات: تشكيل الإبداع"، لجأ المشاركون إلى إطلاق عنانهم لإبداعهم وتنمية مهاراتهم. ومن منطلق مكامن القوة المهنيّة لدى الشعب السعوديّ الذي يستشرف مستقبل المملكة، فإن إثراء يمتلك أدوات للإبداع والإلهام والتواصل، حيث قدّمت تحديات تنوين فرصًا صغيرة لإحداث تأثيرات كبيرة، فغالبًا ما تثير هذه التحديات السؤال عمّا يمكن أن يكون، إذ استهدفت تحديات هذا العام الأفراد والمهنيين المبدعين من مصممي الجرافيك إلى المهندسين المعماريين، وفي حال تعمّقنا بالتفكير حول احتمالات ما يمكن أن يحدث بعد هذه التحديات، فيمكن للمشاركين تعزيز شغفهم بالتصميم الجرافيكي والهندسة المعمارية والقطاعات الإبداعية الأخرى.
تحديات تنوين تتخطى سؤال "ماذا لو؟"
تتخطى تحديات تنوين مرحلة "ماذا لو" من الإبداع وتتعمق مزيدًا في عملية الإبداع الفعلي، وقد وُضعت التحديات لإتاحة الفرصة أمام المشاركين لاتخاذ هذه الخطوة الإضافية لتجاوز النظرية وتطبيق مجموعة من مهارات الابتكار والإبداع لديهم في مشروع حقيقي مكتمل، وتتيح التحديات للمشاركين العمل مباشرة مع شريك فعلي للوصول إلى نتيجة ملموسة في بيئة ملهمة وداعمة في مختبر الأفكار في إثراء، وفي النهاية، تُبنى كافة المشاريع واختبارها تجهيزًا لإحداث تأثير ملموس في العالم، وخلال هذه العملية، يدعم الخبراء والمتخصصون العملية الإبداعية عبر ردم فجوات المعرفة والسماح بالتجربة ووضع نماذج أولية للأفكار. في هذا العام، قام المشاركون من المهندسين المعماريين ومصممي الأثاث والجرافيك والمجوهرات بتوسيع مهاراتهم وتطبيقها عمليًا في تحديات متنوعة بما في ذلك تصميم أغلفة الكتب والأثاث والمجوهرات والهندسة المعمارية وغيرها من المجالات، حيث كان المشاركين قادرين على توسيع آفاقهم ومواصلة استكشاف اهتماماتهم لمجالات إبداع جديدة، كما دعمت التحديات علامات تجارية مرموقة في مجالاتها مثل إيكيا وتشكيل للتوزيع والنشر. ومع نهاية هذه التحديات، حصل المشاركون على مشروع مكتمل وملموس مع شعورهم بالرضا ليس فقط عن وصولهم إلى أهدافهم، ولكن بهدف تطوير مهاراتهم واكتسابهم لرحلة إبداعية جديدة.
التحديات والفائزون
تتألف التحديات من سبع مراحل، ويشجع كل تحدٍ المشاركين -سواء كانوا أفرادًا أو فرقًا- على استخدام الأدوات المقدمة والإبداع في المجالات ذات الصلة، حيث ابتكر الفائزون موادّ جديدة تحفّز الفكر، لتتألق أعمالهم كي تعبّر عن نفسها بنفسها.
تحدي بناء العمارة البسيطة
كجزء من أجندة ما بعد الرقمية، يسعى تحدي بناء العمارة البسيطة إلى التغلب على تعقيدات البناء المرتبطة عادةً بالتصميم الرقمي من خلال أبسط الوسائل وباستخدام أدوات التصميم الرقمي لاستعادة بيئة العمل المتبلورة حول الإنسان، ويتمثل هدفها بزيادة التأثير من خلال استهداف قابلية التطبيق ليست في سياقات أكبر، ولكن في تطوير بيئات البناء التي تكون مواردها شحيحة، بيد أن هذا التحدي تم عقده بالتعاون مع مركز "أتقن" دو إت (مجموعة البواردي) والدكتور المعماري كريستوف كروولا من جامعة هونج كونج. وفاز بهذا التحدي مشروع بعنوان "فسيلة" الذي يمثّل تراث النخيل في المملكة العربية السعودية، ويعكس هيكل الجناح جوهر أوراق الشجر ويعرض الوهم البصري المماثل للضوء المتدفق عبر أغصان النخيل، كما صمّم هيكل المشروع من قبل المهندسات المعماريات لجين العتيق وليان أبو السعود وسارة المداح ولمى دردس.
التصميم: بين الهندسة المعمارية وتحدي المجوهرات
يتضح جليًّا عبر التاريخ أن البشر يعبّرون عن أنفسهم وطريقة حياتهم من خلال الفنّ والعمارة والتصميم والمجوهرات، حيث إن العمارة هي جزء لا يتجزأ من روافد التنمية البشرية التي تشكّل المجتمعات وتحسن من حياتها، وتمثل مَن نكون وكيف نرى أنفسنا، لاسيما أن المجوهرات هي غرض شخصي قابل للارتداء، ومماثلة للهندسة المعمارية حيث تعكس مكانتنا وتعبر عن شخصيتنا، علمًا أن هذا التحدي تم عقده بالتعاون مع استوديو التصميم لعزة فهمي. وكان الهدف الرئيسي في هذا التحدي، هو اكتشاف الهويات المعمارية التقليدية وانتقالها إلى عصرنا الحدي، حيث فازت قلادة نوف عبد العزيز السهلي الذهبية من المنطقة الجنوبية في المملكة العربية السعودية، وقلادة عائشة عباس المذهلة من المنطقة الوسطى في لبنان، وعن المنطقة الغربية في المملكة العربية السعودية فازت عبير خفاجة بقلادة مزدانة بتعليقة فريدة ومبتكرة.
من فكرة إلى تحدي رف الكتب
منذ زمن الجاحظ، تعرضت الكتب المزخرفة والمضيئة للهجوم من خلال الادعاء بأنها زخرفة خارجية تخفي عمق المحتوى، ولكن في واقع الحال، فإنّ أول ما يجذبنا إلى الكتاب هو غلافه.
وخلال هذا التحدي، صمّم المشاركون غلافًا يسمح للجمال باحتضان روح الأدب، عبر إنشاء تحفة بصرية تحفز خيال القارئ نحو محتوى الكتاب وأفكاره وسياقه الثقافي، وقد
أُنجزَ هذا التحدي بشكل مباشر مع دار "تشكيل" للنشر لتصميم غلاف كتاب ينتقل من الفكرة إلى رفوف الكتب ويصل إلى أيدي القراء.
وكان هذا التحدي بالشراكة مع دار تشكيل ومنصة دار تشكيل الثقافية، كما صمّمت الفائزة حياة الفوزان، مصممة الجرافيك الموهوبة، الغلاف الفريد من نوعه "نكهة القراءة"، الذي يعرض أسلوبًا بألوان هادئة وتصميمًا جذابًا.
تحدي الأثاث والخرسانة
كرمز للبناء المعاصر، ازدادت شعبية الخرسانة في عالم الأثاث، واستخدمت لأول مرة في وقت مبكر من الخمسينيات من القرن الماضي، حيث كان المهندسون المعماريون الجانجون، بما فيهم مارسيل بروير وبول رودولف، من مناصري المواد المستخدمة، وفي هذا التحدي، استخدم المشاركون الخرسانة لبناء قطعة أثاث حيث اختبروا طرقًا جديدة لصنع القوالب وأنواع المواد الخرسانية وتقنيات الإنتاج بهدف إنشاء قطعهم المتنوعة بتوجيه ودعم من خبراء في إيكيا.
وبالشراكة مع إيكيا، صمم الفريق الفائز شيخة الغالب وهبة نبيل وليان أبو السعود اللواتي عرضن قطعهن "قطر"، والتي تتمتاز بمقعد متعدد الاستخدامات ومصمم للمساحات الصغيرة، وصمم شكله الدائري لكسر رتابة الخطوط داخل مساحة معينة، في الوقت الذي يمكن أن يحول تصميمها الوظيفي إلى كرسي وطاولة جانبية ومسند للقدمين ووعاء ومكان للتخزين.
ويضم الفريق الفائز الآخر كلًا من سارة المداح وشيماء العمران وسمية خضير فيما يخص قطعتهن "Skåne"، وهي عبارة عن مقعد غير تقليدي ومتعدد الاستخدامات ومصنوع من الخرسانة، حيث تُستخدَم مكعبات الليجو لإنشاء عناصر المقرنصات بأشكال بسيطة لإنشاء عناصر أكثر تعقيدًا
من المخطوطة إلى تحدي التصميم المعاصر
استوحى المشاركون في هذا التحدي التراث السعودي الثقافي، ودرسوا تقاليد الطبوغرافية والجرافيك والتخطيط المستخدمة في مجموعة متحف إثراء للمخطوطات العربية الإسلامية، حيث أقيم التحدي بالتعاون مع "أفضل 100 ملصق عربي"، وهي منصة ديناميكية تهدف إلى توثيق وإبراز الثقافة المرئية في العالم العربي من خلال اختيار وإبراز أفضل الملصقات العربية في المنطقة، كما تم اختيار مجموعه أخرى مكونة من ستة فائزين لهذا التحدي حول تصميماتهم المخطوطة واللافتة والمبتكرة، بمن فيهم هي بورتر/توفيق وسيلين رافي وهيا سعد اليحيى وأروى الشمري
تحدي أصوات المدينة
تتغير المدن مع مرور الزمن بطرق غريبة، وتحفّز سكانها على محاولة الحفاظ على القصص والمعالم التي قد تُنسى لولا المحافظة عليها، كما تتمتع الأعمال الفنية بالقدرة على غرس ما لا يمكن نسيانه، ففي "تحدي أصوات المدينة" التي جاءت بالتعاون مع "كوركوم"، عمل المشاركون من خلال تقنيات البحث الرقمي والأرشيفات التقليدية على تطوير نماذج فنّية حديثة قادرة على نقل تجاربنا الشخصية التي قد تؤدي إلى فنون الأداء وتجسّد العلاقة المتغيرة ديناميكيًا بين الناس والأرض.
ولا يقتصر عمل كوركوم على الأفكار الافتراضية، حيث تدمج تقنيات البحث الميداني، عبر القيام بجولة في الخبر للوصول إلى أفكار يمكن أن تجسّد أشكال الأعمال الفنية التي تعكس أفضل الطرق للتفكير فيها.
وفاز في هذا التحدي علي الحربي، عن مشروعه الذي حمل عنوان "حرف ونقطة".
المعمار التواصلي
تعتبر السلوكيات المهنية للهندسة المعمارية في جوهرها أساليب إدارية وتواصلية، فمن خلال أمد المشروع، يجب على المهندس المعماري أن يدير ويتواصل بشكل كبير مع جميع الأطراف المعنيّة، وقد يكون التواصل مع العميل ضعيف الخبرة تحديًا قائمًا من مرحلة تحديد موجز التصميم وتحديد المتطلبات الفعلية والحاجة إلى اقتراح حلول وشرح المعوقات، حيث انضم إلينا في تحدٍ تصميمي مشوّق لتحسين كيفية مشاركة الأفكار المعمارية مع العملاء والمخططين والمهندسين والمجتمعات المتأثرة.
وأعضاء الفرق الفائزة في هذا التحدي هم سلطان الفريدي وعمر الغشيري وعبد الله الجديبي ولولوة الشعلان.
ما وراء التحدي
تساعد تحديات تنوين المبدعين والمصممين والمهنيين كما تشجع الطموحين على الغوص في الإبداع، وتدفع تحديات المشاركين إلى ما وراء الشك والخوف من أجل تحقيق أحلامهم وتحويلها إلى إنجازات ملموسة.
الدخول إلى عالم مجهول يرفع من التوقعات غير الممكن تحقيقها وإن وصلنا إلى أبعد من أهدافنا المرجوّة، ففي كثير من الأحيان نسير للوصول إلى مُراد الطموح لتجاوز وكسر الجمود؛ لأن الشجاعة للتعلّم والخروج بصورة جديدة تجلب نتائج مرغوبة.
ممارسة هواية جديدة ربما يبدو أمرًا شاقًا، إلّا أنّ امتلاك عقلية للاستمتاع بتحدٍ جديد يسمح للمبدعين بالابتكار بدلًا من القلق بشأن كيفية تنميتها، حيث يمكن أن تشجعنا التحديات في الحصول على جرعة صحيّة من الانضباط الذاتي، فمثلما نكمل المهام الموكلة إلينا من قبل رؤسائنا في العمل أو أساتذة المدرسة، بصفتنا مبدعين طبيعيين نحتاج أيضًا إلى تحمّل نفس المسؤولية في أهدافنا الشخصية والتحديات التي نطمح إلى تحقيقها.
مع تحديات تنوين وغيرها من البرامج الإثرائية، يمهد إثراء الطريق نحو وجهة إبداعية للمبدعين السعوديين، عبر ركائزة الخمسة المتمثلة بالإبداع والثقافة والمجتمع والفن والمعرفة، حيث أن الركائز لا تشكل قالبًا لإثراء فحسب، بل تشكّل إمكانيات كل مبدع في المملكة سواءً شاركت في تحديات تنوين أم لم تشارك بها، فتذكّر دومًا أن تتحدى نفسك وأن تستمتع برحلة التعلّم والإبداع، وكُن على قناعة أنه يمكنك الوصول إلى أهدافك، وتجاوزها أيضًا.