بين الماضي والحاضر ثورة بناء المساجد التاريخية أمنت للزائرين مناسكهم

 

بين أصالة المساجد وعراقتها وبين ماضيها وحاضرها نشأت المساجد وتطورت واتخذت العديد من الأنماط والأشكال الزخرفيّة، فأصبحت لها نظرة مستدامة، ولو عُدنا إلى القديم سندرك ماهيّة البناء الأوليّ للمساجد، وصولًا للفنّ المعماري الحالي، الذي حمّل ثورة معمارية في طيّاتها جُنوح لخيال المعماريين والمهتمين بشؤون الزخرفة، لاسيما أن الاقتباسات التاريخية، شواهد على دمج الحضارات، فأصبحت المساجد واحات لجماليات المنطقة.

وفي مؤتمر سيعقده مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، ذلك في الفترة 18 - 20 ربيع الثاني 1443 الموافق (23   -25  نوفمبر 2021م)، سيُبحر المشاركون في تصاميم المساجد والتقنيات الحديثة التي أضفت عليها تمازج حضارات عريقة  ومعاصرة في آنٍ واحد،  ويفتتح المؤتمر الذي يستمر3 أيام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الأمناء لجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، وسط حضور رفيع المستوى من مختصين ومهتمين في شؤون الفن المعماري وهندسة المساجد وتطورها عبر العصور، في وقت شهدت به عمارة المساجد تحّولات نوعية، وأصبحت معالم سياحية وملاًذا آمنًا لمرتاديها.

ومن عالم ألف ليلة وليلة وعبر دهاليز التصاميم العريقة، ارتسمت الصورة الخيالية للمساجد، بتصاميم مختلفة، ومنها بدأت تتشكل المباني المعاصرة المختلفة عن التقليدية، ذات الإطار الهندسي المُزخرف، إلى أن أخذت هذه المساجد بتصاميمها رحلة إلى الحضارات القديمة، بتمازج مع التقنيات الحديثة، التي أحدثت تغيير هائل ربما جذريًا، فأصبح البناء بجميع أبعاده مسجدًا معماريًا فريدًا.

لم يعُد انتشار المساجد مقتصرًا على منطقة بعينها، وليس من قبيل المبالغة القول إنها تكاد لا تخلو دولة في العالم من المساجد، فبات انتشارها في المدن الرئيسة؛ لتجذب ملايين المُصلين والسائحين أيضًا. في الوقت الذي رُسمت لها خرائط ذهنية بطراز حديث يتلهف الزائر لرؤيتها والغوص في ثنايا جمالها.

قباب ضخمة ومآذن، باتت فنًا معماريًا، يراعي فيها الأبعاد الاجتماعية، والسياسية والثقافية، مما يُرسخ للزائرين لوحة فنية بعيدة عن التقوقع على الذات، فضًلا عن الشعور بالانتماء لتلك المساجد التاريخية. فالعديد من المدارس الفكرية، جعلت جُل اهتمامها البحث في وظيفة المساجد ونشأتها، وكيف تحوّلت إلى مُجمعات دينية أثرت بطابعها وإطارها الحضاري على اختلاف آراء العُلماء فبات النقاش بوابة جدلية " ساخنة" أشبه بفوهة البُركان. " . رغم أن آيات قرآنية وأحاديث نبوية، كانت دلالات حاسمة، في حكم عمارة المساجد، وقوله تعالي ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.

عبر الأزمان، لم يفرض الإسلام شروطًا أو تصميمًا محددًا لبناء المساجد، في الوقت الذي وضع ضوابط عامة تحدد هويتها الجوهرية، ولذلك باتت العديد من المساجد تُحف معمارية تتزين بإطلالات لافتة، كما تُبهر زائريها، التي لطالما يبحثون عن المساجد التُراثية المستوحاة من عصور مضت، ربما بالقبب وهي دلالة على خزائن السماء، وكانت تُوضع فوق المحراب في السنوات الأولى من البناء، ثم بدأت القبب المعمارية تُغطي قاعة المسجد بأكملها، بتصاميم وأشكال هندسية مختلفة من الداخل والخارج، بيد أن بعضها يخلو من القبب والزخارف، فالتنوع بات أحد السمات في عمارة المساجد وتشييدها.

العناصر المعمارية للمساجد، تُشكل غرضًا دينيًا، وبعضها رموزًا فقط؛ لأنها ضمن السمات المعتادة للهندسة المعمارية الإسلامية، بهدف الحفاظ على الشكل الجمالي والروحاني، إلا أنها مصدر الإلهام الأصلي، فتلك العناصر تؤدي دورها على رغم من اختلاف التصاميم والأدوات الداخلية للمساجد، فالبعض يرى أن العناصر الزُخرفية والتي تمثّل الجزء الداخلي من المسجد هي اللوحات التجريدية للزهور والأرابيسك وأعمال الفسيفساء التي تُقام على أعمدة وقواعد رُخامية، فضلًا عن أنماط معمارية أُخرى، تعود لآلاف السنين من مختلف الحضارات.

رغم أن المعايير المستخدمة في بناء المساجد تصبوا إلى هدف واحد بأشكالًا وأنماطًا مختلفة، إلا أنه قد تم بناء المساجد بإيديولوجيا الجمالية التي أمّنت للناسكين القيام بعبادتهم ضمن مناخ يمتاز بالسكينة والخشوع والإحساس بالطمأنينة.

 

بقلم: رحمة ذياب

 

 

أخبار ذات صلة

For better web experience, please use the website in portrait mode