لقاء ريبيكا بروكتور مع إثراء حول تأثير كوفيد-19 على الفن

 

 

في عام 2019م، زار أكثر من 93.000 شخص معرض بازل الفني في سويسرا، الذي يعدّ أحد المعارض الفنية الرائدة في العالم. أما في هذا العام، وعلى إثر جائحة كورونا، سينخفض ذلك العدد إلى صفر، ونظرًا إلى الضربة التي تعرّض لها العالم والمتمثلة في الانكماش الاقتصادي من ناحية، والجائحة من ناحية أخرى، فإنّ القطاع الفني العالمي في حالة ترنّح حاليًا.

 

وبينما كانت هناك أضرار وضغوطات غير عاديّة فيما يتعلق بالصحة العامة وسبل العيش حول العالم، إلا أن العديد من المتخصصين في مجال الثقافة لجأوا إلى التحاور حول كيفية التحرك نحو الاتجاه الصحيح، والخروج بدروس مستفادة.

 

ريبيكا بروكتور أحد هؤلاء المحترفين في المجال الثقافي، حيث أنها ناقدة مخضرمة تحضر معرض بازل الفني بشكل دائم، وتتعاطف مع أعضاء المجتمع الفني الذين تأثروا بالأوضاع السائدة. ولكن بوصفها مؤرخة ثقافية، فهي واثقة بأن بالعثور على إجابات، سيساعد المجتمع الثقافي والفني الإنسانية للمضيّ نحو الطريق الصحيح.

 

حيث قالت: "أعتقد بأنّ المتاحف التراثية والفنيّة ستلعب دورًا رائعًا في القريب العاجل؛ لكون الناس سيكونوا متعطشين بشكل كبير للعروض الفنية الرائعة، وأنا متأكدة من ذلك، حيث أن هناك قدرًا كبيرًا من الفن يُنتَج الآن بسبب توفّر الوقت والحافز لدى الفنانين".

 

أجرت بروكتور مؤخرًا مقابلة افتراضية مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) كجزء من سلسلة مخصصة لتسليط الضوء على وجهات نظر الخبراء حول تأثيرات جائحة كورونا على المشهد الثقافي، وكيف يمكن بناء مسار أفضل للوصول إلى مستقبل فني إيجابي.

 

وأضافت الناقدة الثقافية المرموقة والمقيمة في دبي، والتي تعدّ قائدة فكرية ومنسقة عملت سابقًا كرئيسة تحرير لمجلة هاربرز بازار آرت أرابيا، وهاربرز بازار إنتيريورز: "أعتقد بأن هناك أعمالًا فنيّة مثيرة للاهتمام ستبرز من هذه الفترة، فأنا أنظر نحو الفن كوثيقة، وأعتقدُ أنّ هذا ما يتبقّى من الأوقات الحرجة التي تمرّ بها الإنسانيّة، فما نتعلمه عن ماضي الإنسانية لا يكون عبر وثائق مكتوبة فحسب، أقولُ ذلك بوصفي كاتبة،  لكن من نافذة الفن والآثار والعمارة، حيث يمكننا  تكوين فكرة ما عن الحضارات السابقة، وما نمرّ به الآن في هذه اللحظة سيتم توثيقه عبر أعمال فنية مثيرة للاهتمام، وستذهب هذه الأعمال إلى المتاحف التراثية ومؤسساتنا الحالية والمستقبلية، وأعتقد بأن هذا الأمر سيكون صعبًا، ولكن في غضون سنوات قليلة، سنكون على ما يرام. ستتطلّع الإنسانية إلى رؤية الفن، وستتوق له وسنحتاجه وسنعود بأملٍ متجدد. لا شكّ لديّ في ذلك البتّة".

 

قالت بروكتور ذلك وهي تستشعر الأحداث التي مرت عبر التاريخ، إذ روت كيف كانت تستمع إلى موسيقى أجدادها أثناء نشأتها في الولايات المتحدة الأمريكية، ونظرًا لكونها عاشت في خضم فترة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، فإنها قد رأت شيئًا مشرقًا وإيجابيًا في ثقافة أجدادها. حيث قالت: "هناك أمل في الفن، فنحن نمر بأوقات عصيبة الآن، ولن يكون الأمر سهلًا، ولكنهم كانوا متعطشين لذلك. وصنعوا مشهدًا ثقافيًا نابضًا بالحياة بشكل لا يصدق. فالناس أرادت الابتكار والتعبير عن أنفسهم. كان هناك شعور إيجابي وحقيقي حيال ذلك، وكان ذلك سببًا لتسميتهم "بالجيل الأفضل"، وأعتقد بأنّ الشيءَ نفسه سيحصل في الفترة التي نمرّ بها".

 

ونظرًا لعملها كناقدة ومحررة وكاتبة، فهي على تواصل دائم مع المعارض الفنية والمؤسسات الثقافية والفنانين من جميع أنحاء العالم، وفي حين أن المعارض ذات الطابع التجاري "تمر بحالة من الذعر"، إلا أنها ترى أن المؤسسات والمجموعات الفنيّة ذات التوجه التجاري الأقلّ تشكل مسارًا يبعث على الأمل في المستقبل. فهي تشير بالتحديد إلى عدد المرات التي استغل بها الفنانون وقت الإغلاق والحجر الصحي كفرصة للتركيز على أعمالهم الخاصة، حيث أشارت إلى أن: "المبدعين، بكل الأحوال، يحتاجون إلى قضاء الوقت بمفردهم للإنتاج. والعديد من الفنانين الذين تحدثت معهم يفعلون ذلك". كما أضافت إلى أن هناك العديد من الفنانين البصريين وجدوا أن فترة الجائحة عبارة عن فترة تتسم بالإنتاجية، ولكن برأيها، التحول إلى عالم فني وتصميمي افتراضي بالكامل ليس أمرًا مستدامًا.

 

إذ أضافت: "أحب حقيقة أنّ هناك مشهدًا رقميًا رائعًا وثريًّا للغاية في الوقت الحالي، ولكنّي لا أعتقد بأن المشهد الفني يمكنه الاستغناء عن الوجود الحقيقي، فنحن نحتاج إلى ذلك، حيث من الضروري لنا كبشر أن نتواصل بهذه الطريقة".

 

التواصل البشري بالنسبة إلى بروكتور وغيرها الكثير هو مفتاح الثقافة والفن، فالتعاطف والإبداع والمساعي البشرية عند تمثليها في لوحة فنية ،على سبيل المثال، سترى في أغلب الوقت اللمسة الإنسانية، ومع ذلك، يتكيف الفنانون.

 

تقول: "أخبرني البعض من الوسط الفني بأنهم كانوا مرتبكين للغاية في البداية، إذ اعتادوا على صناعة الفن بمفردهم، فالفنان يستغل وقت عزلته لصنع الأعمال الفنية، والمبدعون اعتادوا على صناعة الفن أثناء عزلتهم، ولكن في البداية، عانوا من حقيقة أنه كان هناك العديد من الأحداث والأمور غير المعلومة، حيث تحدث معي بعض الفنانين من نيويورك حول هذا الموضوع، وقرروا في النهاية الاستمرار بالذهاب إلى الاستديو كل يوم، والرسم بأكبر قدر ممكن".

 

وعلى الرغم من إحساسها المليء بالأمل تجاه المستقبل، إلا أن بروكتور التي تأثرت حياتها ومصدر دخلها بشكل كبير بسبب الإغلاق، لم تغفل قط عن الأضرار والضغط اللذين لحقا بالمجتمعات الإبداعية، حيث قالت: "الجانب الآخر هو وجود قلق حقيقي بين العديد من الفنانين، وربما يكثر مستقبلًا، وفيما يتعلق بكيفية بيع أعمالهم. كما أنّ المعارض الفنية تكافح للبقاء، على أقل تقدير".

 

بروكتور مطلعة على الأوضاع بشكل عام، حيث إنّ المبيعات الكبرى من مزادات مثل سوذبيز حظيت بأداء ممتاز في المنطقة مع مبيعات عربية وأفريقية. وأشارت: "ولكن الأرقام التي رأيتها في الأخبار حول القطاع بدت مثيرة للاستياء بانخفاض مقداره 95٪".

 

مع ازدياد الإبداع لدى الفنّانين، تشير بروكتور إلى "الذعر المطلق" التي تراه في المجتمعات الفنية المعتمدة على الصناعة في نيويورك ولندن وباريس والمشاهد الثقافية الناشئة مثل السعودية. إذ أضافت: "قمت بتغطية المملكة العربية السعودية على مدى السنوات العشر الماضية، وكنت هناك كل أسبوع. فالعالم الفني السعودي مخفيّ بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، ذهبتُ إلى مبنى سكنيّ في الرياض يقعُ على شارع مغمور نوعًا ما. ثم دخلت إلى المبنى لأرى أعمالًا فنيّة في كل مكان والناس يأتون ويذهبون. إنه مجتمع رائع جدًا، وهذا الشيء لن يتوقف عن الحدوث، هناك نوع رائع من الفن المفاهيمي (conceptual art) في السعودية. لدرجة أن الأشخاص الذينعرضت عليهم ذلك الفن لم يصدقوه، وعلاوة على ذلك، تعلم هؤلاء الفنانون بأنفسهم حيث لم تكن لديهم إمكانية للوصول إلى متاحف أو معارض فنية والتي كانت متاحة للعديد من الآخرين لفترة طويلة".

 

كما أشارت إلى كيفية تأثير الجائحة عليها بشكل مباشر فيما يتعلق بالسفر، فبينما كانت تزور المملكة عشرات المرات سنويًا للعمل، والتنقل باستمرار حول العالم لزيارة المعارض الفنية الكبرى التي أصبحت لا تعد ولا تحصى، فإنّ كلّ شيء توقّف بشكل فجائي.

 

وقد قالت بروكتور: "كشخص عملَ على تغطية المشهدين الثقافي والفني في المنطقة والعالم لأكثر من عقد من الزمان، لطالما كان السفر أمرًا مهمًا للغاية لعملي، فلم أكن لأتمكن من إنشاء العلاقات التي قمت بإنشائها أو ملاحظة الاختلافات بين الثقافات. فباعتقادي، يمكن للتعاطف أن ينمو بسهولة عندما تكون بالفعل في بلد آخر".

 

تعاني بروكتور، النشيطة والودودة، من صراع داخلي. فمن ناحية، هي تستمتع بإقامة العلاقات وتفضل اللقاءات المباشرة مع الآخرين والفن، لكن من ناحية أخرى، فهي تنتقد سرعة التضخم في عدد المعارض الفنية، إذ أشارت إلى أن: "هناك علامة استفهام كبيرة على نظام المعارض الفنية ككل. هل نحتاج حقًا إلى هذا العدد من المعارض الفنية؟ هذا ما يتساءل عنه الناس، وأنا اعتقد بأن الجواب هو لا، فهناك ضغط كبير على السوق. لم لا يكون هناك معرض فني واحد فقط في الإمارات ونجعله ممتازًا حقًا؟".

 

ترى بروكتور الجائحة كفرصة لإعادة التنظيم وبناء الأمل في مستقبل ثقافي أكثر استدامة. فبالنسبة إليها، الوضع الحالي للحجر الصحي والإغلاق يوفر وقتًا للتأمل وقيادة الفكر وإنتاج الفن. فالمصاعب حقيقية على القطاع الفني وبالتالي فهي قلقة بشأن المعارض الفنية والفنانين الذين سيتم تهميشهم بسبب الأضرار الصحية أو الاقتصادية. وعلى صعيد آخر، سيكون القطاع الثقافي مختلفًا، كما تقول، ولكن في النهاية، الناس كائنات مادية، والفن غالبًا ما يكون تجربة فعلية لن يُحرم الجمهور منها في النهاية. ورسالتها هي رسالة أمل وإنسانيّة. حيث أضافت: "أنا أؤمن بقوة الاقتراب جسديًا من أي عمل فني. فلا يوجد شيء مماثل لإجراء مقابلة مع شخص ما وجهًا لوجه أو الشعور بالطاقة أثناء التجول في معرض ما وهذا أمر لا يمكنك تعويضه".

 

  

 

 هذه المقابلة بين إثراء و (مجموعة من الضيوف) هي جزء من سلسلة حوارات حول تأثير جائحة كورونا، ومستقبل الصناعة الإبداعية.

 

أخبار ذات صلة

For better web experience, please use the website in portrait mode